بأقلامهم >بأقلامهم
"عَوْدٌ على بَدْءٍ"!
جنوبيات
في دورة الحياة بكلّ مفاصلها ومضامينها وانعكاساتها على واقع الحال، ومعايشة ما يخطر على البال، تتبلور أمام أعيننا المشاهد الآتية:
في عمر ال4 سنوات كنت أقول: "أبي هو الأفضل".
وأنا في عمر ال6 سنوات: أبي يعرف النّاس كلّهم.
وأنا في عمر ال10 سنوات: أبي ممتاز ولكن خُلقه "ضيّق".
وأنا في عمر ال12 سنة: أبي كان لطيفًا عندما كنت صغيرًا.
وأنا في عمر ال14 سنة: أبي صار أكثر حساسيّة.
وأنا في عمر ال16 سنة: أبي لا يمكن أن يتعايش مع العصر الحالي.
وأنا في عمر ال18 سنة: أصبح مزاج أبي، مع مرور الوقت، أصعب.
وأنا في عمر ال20 سنة: لا أستطيع أن أسامح أبي، وأستغرب كيف استطاعت أمّي أن تتحمّله طوال هذه السنوات.
وأنا في عمر ال25 سنة: أبي يعترض على كلّ ما أقوم به.
وأنا في عمر ال30 سنة: من الصّعوبة بمكان أن أتّفق مع أبي. فهل كان جدّي تعِبًا من أبي عندما كان في سنّ المراهقة والشّباب؟
وأنا في عمر ال40 سنة: لقد ربّاني أبي في هذه الحياة مع الكثير من الضّوابط. ولا بدّ لي أن أفعل الشّيء نفسه مع أبنائي.
وأنا في عمر ال45 سنة: أنا في حيرة من أمري، إذ كيف أستطاع أبي أن يربّينا جميعًا.
وأنا في عمر ال50 سنة: من الصّعب التحكّم في تصرّفات أولادي. فكم تكبّد أبي من الشّقاء والعذاب من أجل أن يربّينا ويحافظ علينا.
وأنا في عمر ال55 سنة: لقد كان أبي ذا نظرة بعيدة، وخطّط لعدّة أشياء تأتي في مصلحتنا. لقد كان أبي مميّزًا ولطيفًا جدًّا.
وأنا في عمر ال60 سنة: "أبي هو الأفضل".
لقد استغرقت هذه الدورة زهاء ٥٦ سنة كاملة لنعود إلى نقطة البداية عند الـ 4 سنوات بأنّ: "أبي هو الأفضل".
فلنحسن إلى والدينا قبل أن يفوت الأوان. ولندعُ الله أن يعاملنا أولادنا أفضل ممّا كنّا نعامل والدينا.
قال تعالى في محكم التّنزيل:
"وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا".
صدق الله العظيم.