بأقلامهم >بأقلامهم
"قضيّة طلاق"!
جنوبيات
هذه القصّة أخبرنيها أحد قضاة الشرع ممّن أصبحوا في دنيا الحقّ، رحمه الله.
يروي القاضي قضيّة طلاق بين زوجين، والزّوجة هي من طلبت الطلاق.
يقول: في الجلسة الأولى أرجأتُ القضيّة لأجل بعيد كي أترك مجالًا للصّلح.
وعند انعقاد الخصومة في الجلسة التّالية يقول القاضي: فسألتهم إذا كانا قد تراجعا عن الطّلاق فأكّد الطرفان وجوب إتمام معاملات الطّلاق.
عندئذ أرجأت الجلسة وهما في قِمّة الانزعاج ويريدان إنهاء حياتهما الزّوجيّة.
وأضاف القاضي قائلًا: على الرغم من تذمّرهما أرجأت القضيّة لعدّة مرّات.
ثمّ عقدتُ جلسة وطلبت من الزّوج أن يجلس على الكرسيّ أمام طاولة وأن يكتب على ورقة كلمات يذكر فيها عشر حسنات لزوجته. (حسنات فقط)!
وقلت لهما إنّ ما سيُكتب لن يقرأه أحد غيركما.
وبعد انتهاء الزّوج من الكتابة طلبت من الزّوجة أن تقرأ بسرّها.
بدأت الزّوجة تقرأ وتنظر في وجه زوجها، وراحت الابتسامة ترتسم على وجهها وتزداد ملامح انشراحها،
وهي تنظر إلى عينيّ زوجها؛ تارة تلقي نظرة جريئة، وتارة تنظر نظرة خجل وترمي ببصرها نحو الأرض.
والزّوج دائم النّظر نحو زوجته مع ابتسامة مستدامة.
ثمّ جاء دور الزوجة فكتبت عشر حسنات. ولمّا انتهت، بدأ الزوج يقرأ ويبتسم ويُمعن النظر في زوجته، وهي تارة تنظر في عينيه وتارة أخرى باتّجاه الأرض.
يقول القاضي: ولم يكن سواي وسواهما في القاعة فخرجت لدقيقتين.
ولمّا عدت سمعت همسًا يعاتبُ حبًّا، وكان ما كان من نظرات دامعة مع زفرات من نفس تخالجها نبضات قلب تكاد تكون مسموعة.
وهنا طلبت منهما عدم التّكلّم معي وأن يخرجا معًا (وقلت للزوج :يا حبّذا لو دعوتها لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم) وغدًا تعودان وأنا سأنطق بالحكم الذي تريدانه.
فوافقا...
خرجا وعادا في الغد ويداهما متعانقتان ووجههما تعلوه ابتسامة عريضة.
فقلت لهما: هل أثبّت الطّلاق؟
قالا: لا.. لا.. لا تفعل. فلقد عدنا لبعضنا البعض بالأمس، وانتهت كلّ المشاكل بيننا، وعاد الحب يسري في قلوبنا مسرى الدّم في العروق.
يقول القاضي: وإلى الآن لا أعلم لا أنا ولا أنتم ماذا كتبا!
كم نحن بحاجة لمثل هذا القاضي وهذه القامات التي لا تنظر إلى مراكزها على أنّها مناصب تعلو بها على البشر، وترفع أنوفها تكبّرًا وتجبّرًا.
صفوة القول، الصّلح يأتي بلمحة، وبريق العينين بمسحة، وطريق الحبّ بفسحة.
فانظر لحسنات زوجتك، وانظري لحسنات زوجك.
انظروا إلى حسنات الأصدقاء والإخوة وكلّ من حولكم، فتصبح الحياة أجمل، والعمر يمرّ على مهل مع نسيمات الفرح ولحظات السّعادة.
القاضي م جمال الحلو