بأقلامهم >بأقلامهم
"إشكاليّةُ المعنى"!
"إشكاليّةُ المعنى"! ‎الأحد 30 06 2024 20:44 القاضي م جمال الحلو
"إشكاليّةُ المعنى"!

جنوبيات

لقد حملت المعاجم والقواميس اللغويّة عدّة معانٍ لكلمة واحدة. 

ومثال ذلك:
البِكْرُ: أوّل كلّ شيء. 
والبِكْرُ: أوّل ولد للأبوين ذكرًا أو أنثى. 
والبِكْرُ: العذراء. 

يُحكى في إحدى القرى الرّيفيّة من إحدى الدّول العربيّة أنّ زواجًا كاد أن يتحوّل إلى مجزرة عائليّة لولا ألطاف الله وتقاديره. 
فبينما كان المأذون يدوّن بيانات العريس والعروس وبحضور جمع غفير من كلا طرفَي العروسين سأل المأذون:
هل العروس بِكْر؟ 
فأجاب والد العروس: نعم إنّها بكر رشيد. 
وفجأة وبنبرة حادّة ردّ أحد الحضور وكان جالسًا في ركن الصالة قائلًا:
لا أبدًا، العروس ليست ببكر أيّها الشيخ الفاضل! 
وبلمحة من نظرٍ اختلف لون العريس واختلجت أنفاسه وأصبح يرتجف من هول ما سمعه! 
وكذلك اختلفت ألوان الأب المصدوم، والذي كاد أن يقع مغشيًّا عليه. 
وضجّت الصّالة بأصوات الحضور ما بين الهمز واللمز والهسهسة والبسبسة، وسط حالة من الهرج والمرج سادت الموقف.
فقال المأذون: وكيف عرفت أنّها ليست بِكْرًا أيّها المتطفّل؟!
أجاب الرجل بصوت الواثق مع ابتسامة عريضة: شيخنا الفاضل أنا قريب لهذه العائلة وأعرف كلّ شيء عنها، فالأخ الأكبر للعروس واسمه مجيد هو البِكْر، وهو أوّل مولود لأبويه، ويكبر شقيقته "العروس" بسنتين. 
وهنا انتفض المأذون قائلًا:
"ألا لعنة الله عليك، لقد كدت أن تتسبّب بكارثة لا تُحمد عقباها لولا لطف الله وفضله على عباده. لكن الحقّ ليس عليك بل على الذي أعطاك الشّهادة بدون علم، وجعلك تتكلّم على المعرفة بدون فهم".

إنّها فصاحة العرب في المفردات، وجهل البعض لمعاني الكلمات. 
فمن قال لا أعرف فقد أفتى. 
ومن تجرّأ على الفتْيا فقد أورث الضّلالة واستحقّ سوء المصير. 
فالإنسان عدوّ ما يجهل، والجهل آفة العصر. 
وقد صدق الشّاعر حين قال:
"لكلّ داء دواء يُستطبّ به..
 إلّا الحماقة أعيت من يداويها". 

المصدر : جنوبيات