بأقلامهم >بأقلامهم
"أنا الحاكم"!
"أنا الحاكم"! ‎الجمعة 12 07 2024 19:17 القاضي م جمال الحلو
"أنا الحاكم"!

جنوبيات

يقول الأديب الكبير جوزف أبي ضاهر في إحدى مقالاته: 

"لتصبح حاكمًا في بلد من بلدان العالم الثّالث، ونحن فيه من رأسه حتّى أخمص قدميه، عليك أن تكون ملمًّا بأصول السّرقة الموصوفة، وصفًا لا يضاهيه وصف عنترة في (عبلاه) التي ما رضي (سواها في الهوى بدلا)".
هذا الكلام أورده كاتبنا المميّز في مقاله الذّهبيّ عن: 
"الخوري يوسف عون واستحضاره حفّاضات الأطفال".
انطلاقًا من هذه المقدّمة البليغة في المعنى والمبنى وفي أبعاد دلالاتها على مستوى محاكاة عمل الدّولة على الصّعد كلّها، نستذكر حلم الخوري يوسف عون في مقاله: "أنا الحاكم"_ في ستّينات القرن الماضي _
إذ جاء فيه:
"رأيتُ، في ما يرى النّائم، أنّي أنا الحاكم! فشكّلتُ فورًا، في القصر، لكلّ وزارة غرفة. وسمّيت هذه الغرف مطبخ الحكم. هي تدرس القوانين والمشاريع وتراقب الوزارات. وألّفتُ غرفة لتقرّ دستوريّة القوانين وإعادة النّظر في كلّ قانون سنّه المجلس وهو مخالف للدستور.
وشكّلتُ الحكومة على الوجه التّالي:
للرئاسة : قاض نزيه وجريء.
للتربية : أستاذ مدرسة.
للماليّة: مدير بنك.
للاقتصاد: تاجر.
للأنباء : صحافيّ.
للتصميم: مهندس.
للسياحة: صاحب أوتيل.
للعدليّة: رجل خسر أكبر دعوى بسبب المداخلات.
للصحّة: مريض بقي سنة في مستشفى الحكومة.
للداخليّة: امرأة قُتل ابنها والقاتل ما زال فارًّا.
للخارجيّة: أكبر مزارع يهمّه تصريف إنتاج لبنان بالمقايضة.
واستدعيتُ قائد الجيش وسلّمته موافقتي على الخدمة الإجباريّة بشرط أن يستلم الجيش وزارة النّافعة ووزارة الزّراعة والمشروع الأخضر، ليهتمّ بتحريج لبنان واستصلاح أراضيه وجعله بالفعل أخضرًا حلوًا، ثمّ يهتمّ بالطّرقات والجسور والبحيرات والسّدود والأنفاق والرّيّ، ليصير الجيش مثمرًا ويحبّه الشّعب أكثر، ولنبعد عنه البطالة لأنّ البطالة هي أمّ الرذائل.
وتمّ كلّ ذلك، ثمّ انصرفتُ إلى البنك المركزيّ فغيّرتُ كلّ جهازه الإداريّ، واستدعيتُ فنزيلند وجعلته مستشار المدير، وقد قبل أن يتقاضى بالشّهر خمسة آلاف فقط".
وقد خلص الخوري يوسف عون في مقاله إلى القول: 
"ووقعت يدي على حافة السّرير. فاستيقظت فإذا بالدّم يسيل من يدي... ولعنت اليقظة...التي تحرم اللبنانيّ من لذّة الحلم... وهل من لذّة للّبنانيّ اليوم إلّا إذا كان نائمًا"؟
ما أشبه اليوم بالأمس وكأنّ هذا المقال الذي كتب من حوالى الستّة والخمسين عامًا يحاكي آلام الشّعب اللبنانيّ وأحزانه وانكسار حلمه بأن تكون هناك دولة بكلّ مقوّماتها وأسسها المتينة والفاعلة. 
ويا ليته يتمّ وضع الرّجل المناسب "نظيف العقل والكفّ" في المكان المناسب. 
وحبّذا لو يتحقّق حلم الخوري يوسف عون بأن تصبح لدينا دولة في وطن همّه البنيان لإسعاد الإنسان... اسمه على الخريطة الدوليّة "لبنان"!


القاضي م جمال الحلو

المصدر : جنوبيات