بأقلامهم >بأقلامهم
سليم الحص.. حين تتلاقى الأخلاق مع الوطنية والعروبة
سليم الحص.. حين تتلاقى الأخلاق مع الوطنية والعروبة ‎الاثنين 26 08 2024 08:54 معن بشور
سليم الحص.. حين تتلاقى الأخلاق مع الوطنية والعروبة


حين استقال الرئيس الدكتور سليم الحص من رئاسة الحكومة عام 1980 بعد خلاف بينه وبين صديقه الحميم الرئيس الياس سركيس على صلاحياته كرئيس لمجلس الوزراء، رفعنا في تجمع اللجان والروابط الشعبية يافطة في شارع البسطة تقول: "بعدك يا سليم الحص لن نرضى برئيس وزراء شرابة خرج".
لم يكن بيننا وبين الرئيس الحص آنذاك علاقة خاصة، لكن كانت سمعته الوطنية والقومية والأخلاقية المبدئية تطوقنا وتدفعنا إلى الوقوف إلى جانبه في معركة توازن الصلاحيات في الحياة السياسية اللبنانية.
بعد تلك الوقفة التي تعود إلى أكثر من 45 عاماً تطورت العلاقة مع الرجل الكبير، ووجدنا أنفسنا إلى جانبه في كل المعارك الوطنية والسياسية التي خاضها، لا سيّما ضد اتفاق السابع عشر من أيار، والذي كان إسقاطه ثمرة لانطلاق المقاومة ضد الاحتلال.. كما كان إسقاطه دعماً حقيقياً لها.
وحين كنا نزوره في بيته المتواضع في محلة عائشة بكار، كنا نقرأ على مكتبه كلاماً يقول: "تبقى قوياً ما دمت لا تطلب شيئاً لنفسك"، لنفهم تماماً أي نوع من الرجال ونحن في زمن معظم القيمين على أمورنا  لا يرون إلا أنفسهم، ولا يسعون إلاّ لتلبية رغباتها.
لم تكن النزاهة والأخلاق العالية فقط هي سمات الرجل الذي أجمع اللبنانيون على أنه "ضمير لبنان"، بل كانت الصلابة ميزة من ميزاته أيضاً حتى أن العديد كانوا يصفونه "بالعنيد" من فرط تمسكه بالمبادئ والقيم والدستو،ر والقانون والأصول، وكثيراً ما كان يسبح عكس التيار
  السائد، إذا كانت مجاراته تعني الالتحاق بعصبية طائفية أو مذهبية مناطقية أو تفريط بكرامة الإنسان وسيادة الوطن..
كان وطنياً أيضاً، وعروبياً صادقاً، فالعروبة لم تغب يوماً عن خطابه أو أدائه أو مواقفه، وكذلك فلسطين، لذلك كان من أول المتجاوبين مع فكرة المؤتمر القومي العربي، معتذراً لأكثر من مرة عن تولي أمانته العامة رغم إلحاح صديقه الحميم الراحل الدكتور خير الدين حسيب وعدد كبير من أعضاء المؤتمر عليه ليترأس واحدة من أكبر المؤسسات العربية الوحدوية والنهضوية..
وطنيته اللبنانية وعروبته الحضارية ودفاعه عن فلسطين، جعلت منه سياسياً مقاوماً في كافة المراحل التي مرّ بها لبنان، وشاءت الأقدار أن يكون إلى جانب الرئيس إميل لحود يوم التحرير في 25 أيار 2000،  وهو التحرير الذي جاء ثمرة لجهود ومواقف مشتركة بين الرجلين اللذين وفرا الإطار السياسي والرسمي الداعم للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال ومهدا السبيل لقيام معادلة شعب وجيش ومقاومة التي وفرت منعة وقوة للبنان.
في كل مرة كنا نقصده للمشاركة في فعالية لنصرة شعب عربي يواجه الاحتلال أو الحرب أو الحصار كان أول المتجاوبين معنا، مع الحرص الدائم على أن يربط بين مقاومة العدو الخارجي في أزمات تلك الأقطار، وبين معالجة البعد الداخلي لها، مدركاً أن أقصر الطرق لمقاومة التدخلات الخارجية هي في معالجة الخلل الداحلي.
وتشاء الأقدار مرة أخرى أن تختار يوماً لرحيله الأبدي هو يوم عملية "الأربعين" النوعية ضد العدوان الصهيوني، وكأن هذه الأقدار تريد للرجل أن يغمض عينه على نصر تحققه المقاومة، نصراً جديداً لوطنه ولأمته، وهو الذي طالما راهن على المقاومة في لبنان وفلسطين والأمّة، رغم ما كان يواجهه من ضغوط وصعوبات بسبب هذه المواقف.
في سليم الحص تلاقت الأخلاق مع الوطنية والعروبة، فقدم للبنان والأمّة نموذجاً ينبغي أن يُحتذى به كل المسؤولين القادة والرموز..
رحمه الله كبيراً من بلدي وأمتي.

المصدر : جنوبيات