بأقلامهم >بأقلامهم
"إنقلاب أم"!
جنوبيات
يُحكى في الزّمن المعاصر، وفي "مدرسة القاهر"، في "إمارة أمّ الحناجر" أنّ مدرّسًا ضرب أحد التّلاميذ ضربًا مبرّحًا بسبب سلوكه الشّائن.
وما إن قُرع جرس الفرصة حتّى هبّ التّلميذ من الصفّ مسرعًا إلى خارج المدرسة ومتوجّهًا إلى بيته. وحينما وصل ارتمى في حضن أمّه وأخذ يبكي بكاء المستغيث، ويتلوّى كالذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، وأخبر أمّه أنّ أستاذه أشبعه ضربًا بدون أي سبب.
وبسرعة البرق الخاطف ارتدت الأمّ ملابسها ورمت خمارها فوق رأسها، وخرجت تستشيط غضبًا كبركان ثائر (تخرج منه الحمم النّارية)، وهي تجرّ ابنها من يده.
والمعروف أنّ هذه المرأة تُعدّ من أشرس النّساء في محيطها. وعندما وصلت إلى المدرسة بدأت تصرخ بأعلى صوتها، وهي تقسم بأغلظ الأيمان أنّها ستهدّ المدرسة فوق رأس الأستاذ.
وما إن لمحها الأستاذ آتية والشرّ في عينيها عرف أنّها أمّ التّلميذ المضروب، فتوجّه نحوهما بابتسامة متصنّعة، ونظر إلى التّلميذ قائلًا:
لماذا أحضرت أختك معك؟!
فردّ التّلميذ وأجاب بصوت متحشرج: هذه أمّي وليست أختي!
فالتفت الأستاذ إلى الأمّ وقال:
سبحان الله، ظننتك أخته وليس أمّه إذ تبدوان كتِرْبَين وليس كأمّ وابنها.
فابتسمت الأمّ واحمرّت وجنتاها من الخجل، وسكن الغضب الذي فيها .
فسألها الأستاذ:
لماذا أنت غاضبة، ومن الذي أغضبك سيّدتي الفاضلة؟!
أجابت وكأنّ على رأسها الطير وبصوت فيه من الشجن ما يكفي لزفرة بعد شهيق:
تالله يا أستاذنا الفاضل لقد أتيت لأسألك لماذا ضربت ولدي لكي أكمل عليه في البيت؟
والتفتت إلى ابنها وأمسكت بشعره وطرحته أرضًا وهي تردّد:
يا ويلك يا سواد ليلك...
والولد المسكين مستغرب تأخذه الدّهشة مع دموع ذُرفت كشلّال يهوي بالماء المالح على وجهه، متسائلًا:
ما الذي حصل حتّى "انقلبت عليه والدته 180 درجة"!
إنّها بضع كلمات غيّرت مجرى الأحداث، إذ تدغدغ المشاعر، وتلمس الأحاسيس، وتجعل من أمّ الحناجر ملجأ لإبليس!
القاضي م جمال الحلو