بأقلامهم >بأقلامهم
"منظمة التحرير الفلسطينية" .. شرعية راسخة وتاريخ لن يُشيَّع
جنوبيات
لطالما شكّلت منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) الركيزة الأساسية للنضال الوطني الفلسطيني، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبما تحمله من إرث سياسي وتاريخي وقانوني متجذر. ورغم ما تواجهه المنظمة من تحديات ومحاولات للنيل من مكانتها، فإن الحديث عن "تشييعها" يبقى مجرد أوهام وأماني محكومة بالفشل، لأسباب قانونية وسياسية وتاريخية تجعل من هذه المنظمة عصية على التفكك أو الإلغاء.
تأسست (م.ت.ف) عام 1964، لتصبح المظلة الجامعة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وحازت منذ ذلك الوقت على اعتراف عربي ودولي واسع النطاق، تُوّج بإعلانها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بقرار من الجامعة العربية عام 1974 في قمة الرباط، وحصولها على صفة مراقب في الأمم المتحدة أيضًا في نفس العام.
هذه الشرعية ليست مجرد اعتراف شكلي، بل هي انعكاس لتوافق فلسطيني وعربي ودولي على مركزية دور المنظمة في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وهو توافق لم تستطع أي جهة أخرى تجاوزه أو حتى تقديم بديل مقبول عنه.
ورغم الضغوط الهائلة التي تعرضت لها المنظمة، استطاعت أن تحافظ على دورها المحوري في النضال الوطني الفلسطيني، سواء من خلال الكفاح المسلح أو العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني محليًا وإقليميًا ودوليًا، وأبرزت قضية فلسطين كقضية تحرر وطني عالمي، كما جمعت تحت مظلتها مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، رغم تعدد رؤاها، ما جعلها الكيان الأكثر شمولًا وتمثيلًا للشعب الفلسطيني. ولا مستقبل سياسي لأي من القوى التي تسعى لإضعافها مهما تعاظمت إلا من خلالها وأن تكون جزءًا لا يتجزأ منها، وليس بديلا لها أو موازيا لها.
ومع ذلك، لا تزال هناك أطراف تنتظر "تشييع" المنظمة لتحقيق مصالحها وأجنداتها. فمن جهة، تسعى قوى إقليمية ودولية لإضعاف القرار الفلسطيني المستقل من خلال محاولات استبدال (م.ت.ف) بكيانات بديلة خاضعة لنفوذها، ومن جهة أخرى، تقف تيارات حزبية فلسطينية ضيقة الأفق ذات اللون الأحادي، تسعى إلى تقويض شرعية المنظمة لصالح مشاريع فصائلية مؤقتة وهشة وطوطمية وعدمية، تتقاطع في ذلك مع اليمين الصهيوني المزدوج، متجاهلةً أن (م.ت.ف) ليست مجرد كيان سياسي عابر، بل هي رمز وطني متجذر ويجسد طموحات الفلسطينيين بوعي وإدراك. ولا يغيب عن المشهد الاحتلال الإسرائيلي، الذي يرى في تفكك المنظمة فرصة ذهبية لإنهاء المشروع الوطني الفلسطيني، وطمس القضية الفلسطينية، وتحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد مسألة إنسانية بحتة، وإفقادها الصفة الوطنية والقومية، وصفة التحرر الوطني وحق العودة والحرية وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
لكن جميع هذه المحاولات تصطدم بواقع راسخ؛ فمكانة (م.ت.ف) متجذرة في الوجدان الفلسطيني والعربي والدولي، حيث يراها الفلسطينيون عنوانًا لهويتهم الوطنية ومشروعهم التحرري. كما أن غياب أي بديل وطني جامع قادر على تمثيل كافة أطياف الشعب الفلسطيني، يجعل الحديث عن تجاوز المنظمة أمرًا غير واقعي. إلى جانب ذلك، لا تزال المنظمة هي الفاعلة الوحيدة في المحافل الدولية، مدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني، وحاضرة في كافة الساحات السياسية والدبلوماسية والقانونية.
إن من يراهنون على تشييع (م.ت.ف)، إنما يعيشون في أحلام طفولية وردية، وأوهام حزبية ضيقة وأحلام طفولية قاصرة لا ترى أبعد من مصالحها الآنية وأفكارها الطوطمية الغبية والعدمية.
ستبقى المنظمة، بشرعيتها التاريخية والسياسية والقانونية، صمام الأمان للمشروع الوطني الفلسطيني، وقائدًا للنضال الوطني حتى تحقيق العودة والحرية والاستقلال، مهما تعاظمت المؤامرات والأراجيف حولها.
د. عبدالرحيم جاموس
26/1/2025 م