بأقلامهم >بأقلامهم
"اللفظ المناسب"!



جنوبيات
رحم الله جدّي لوالدي وجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنّة فقد كان يردّد هذه المقالة الرّائعة:
"الزرع نوعان: زرع الشجر، وزرع الأثر".
من فنون الأدب اختيار اللفظ المناسب حتّى قالوا: «لكلّ مقـام مقـال». فيقال للمريض "مُعافى"، وللأعمى "بصير"، وللأعور "كريم العين".
فقد اشتهر عند العرب تسمية الأشياء بضدّها تفاؤلا، فكانوا يسمّون اللديغ بالسّليم، ويسمّون الصّحراء التي لا ماء فيها "بالمفازة" تفاؤلا بالفوز في عبورها، وكذلك يسمّون الأعمى "أبو بصير"، وكانوا يسمّون الاسوَد "أبا البيضاء"، ويسمّون الغراب "بحاتم" دفعا للتشاؤم، وكانوا يسمّون المجنون والمسحور "مطبوبا" لدفع السّوء عنه.
وكان هارون الرّشيد قد رأى في بيته ذات مرّة حزمة من الخيزران، فسأل وزيره الفضل بن الربيع:
ما هذه؟
فأجابه الوزير:
عروق الرّماح يا أمير المؤمنين.
أتدرون لماذا لم يقل له إنّها الخيزران؟
لأنّ والدة هارون الرّشيد كان اسمها "الخيزران".
فالوزير يعرف من يخاطب، لذلك تحلّى بالأدب في الإجابة.
وحتّى يرتاح بالك ويطمئنّ قلبك، لا بدّ من إعمال التّوازن بين العقل الفاعل والعقل المنفعل، والقلب الدالّ والقلب المُشار إليه.
فعندما نفقد الأمل نفقد الرّغبة، وعندما نفقد الرّغبة نفقد الرّؤية، وعندما نفقد الرّؤية نفقد الحياة، ونعيش تائهين في سراب الأمل.
الكلمة الطيّبة بذرة خير زُرعت بـتربـة الـيقين، وسُقيت بماء الأمل والتّفاؤل، فـأنـبـتت عملًا صالحًا.
ومن هذا المنطلق نقول:
"الزرع نوعان، زرع الشّجر وزرع الأثر. فإن زرعت الشّجر ربحت الظلّ والثّمر، وإن زرعت طيّب الأثر حصدت محبّة الله ثمّ البشر".
طبتم بطيب الذّكر والأثر.
ومن رحم الأحزان في وطننا لبنان نأمل أن ينكبّ القيّمون على مسار البلد بجهدهم وعقلهم وقلبهم على اختيار ما هو أفضل لمصلحة الشّعب المسكين الذي وصل في معاناته إلى الدّرك الأسفل من الفقر المدقع...
فهل من يستمع؟