بأقلامهم >بأقلامهم
"ضيّعت علينا أكل اللحمة"!
"ضيّعت علينا أكل اللحمة"! ‎الاثنين 17 03 2025 19:27 القاضي م جمال الحلو
"ضيّعت علينا أكل اللحمة"!

جنوبيات

يُروى في خفايا الزّمن، وحكايا الفتن، وخبايا المحن، وفي قرية نائية بعيدة عن ركب الحضارة، ولا توجد فيها منارة، أنّ قصّابًا كان يقطع اللحم "بالسّاطور"، وإذ بقطعة عظمٍ صغيرة تطايرت بسرعة ودخلت إلى إحدى عينيه، فأضحت حمراء، وتسبّبت بألمٍ شديد.
ذهب القصّاب بسرعة إلى حلّاق القرية (لخلوّها من المستشفيات والأطبّاء).
فحص الحلّاق عين القصّاب قائلًا:
إنّها إصابة بسيطة "لا تكترث لها"!
وقام بتعقيمها ووضعِ مرهمٍ وضماد، وتوجّه للقصّاب قائلًا:
مرّ عليّ كلّ يومين من أجل رؤية العين وتنظيفها حتّى تشفى بشكلٍ تامّ.
وبعد يومين ذهب القصّاب إلى الحلّاق حاملًا معه رطلًا من اللحم وبعضًا من النقانق والمقادم وخلافه!
سُرّ الحلّاق ونظّف العين ووضع المرهم، تاركًا قطعة العظم في مكانها.
وفي كلّ مرّة يُصار إلى إهداء اللحم والشحم بينما قطعة العظم مكانها راوح.
وفي يوم، وبعد أن اشتدّ الألم أتى القصّاب إلى صالون الحلاقة حاملًا محمّلًا، فلم يجد الحلّاق، ووجد ابنه الذي بادر قائلًا: أهلًا وسهلًا ومرحبًا بك، ماذا تريدني أن أفعل؟
أجابه القصّاب: هل علّمك والدك حرفة الطبابة؟
فرّد الابن: نعم وقد أصبحت ماهرًا بها.
عندها قال القصّاب: انظر إلى عيني فهي تؤلمني كثيرًا!
نظر الابن إلى عين القصّاب بدقّة وقال:
بسيطة.. بسيطة.. سأريحك فورًا!
وبالفعل وبثوانٍ معدودة أخرج قطعة العظم الصغيرة من عينه وعقّمها ونظّفها.
وعند المساء رجع الحلّاق الى صالونه وسأل ولده: ماذا اشتغلت اليوم؟
فأجاب الابن: لقد جاء القصّاب وأخرجت قطعة العظم الصغيرة من عينه.
عندها صرخ الأب بوجه ابنه قائلًا:
"الله لا يوفّقك.. ضيّعت علينا أكل اللحمة"!
وإسقاطًا على واقع الحال فإنّ سلطة القهر والحرمان تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه "مخربط" (حتّى تأكل اللحم والعظم والطحالات والكلاوي والغنمة والنخاعات.. والله يستر ما توصل للقلوب).
نرجو الله عزّ وجلّ أن يزهر العهد الجديد أمنًا وأمانًا وسلامًا وطمأنينة وبحبوحة وصحّة وعافية وسعادة وراحة بال.
إنّه على كلّ شيء قدير وبالإجابة جدير.

المصدر : جنوبيات