لبنانيات >أخبار لبنانية
الرئيس عون أمام إلزامات الجيوبولتيك وبري لقول كلمة سواء
الرئيس عون أمام إلزامات الجيوبولتيك وبري لقول كلمة سواء ‎الثلاثاء 15 07 2025 07:30
الرئيس عون أمام إلزامات الجيوبولتيك وبري لقول كلمة سواء

العميد الركن خالد حماده

لا يقتصر التعثر الذي تعانيه السلطة في لبنان على عجزها في وضع حصرية السلاح بيد الدولة حيّز التنفيذ، فكل ما أنجزته أو ما عجزت عن القيام به لم يكن سوى أحد أوجه التعبير عن هذا التعثر. معادلة القوة المختلة لصالح حزب الله التي لا تعكس حقيقة توجهات غالبية اللبنانيين هي التي فرضت نفسها سواء في التعيينات وفي عدم القدرة على إطلاق عجلة الإصلاحات أو في التحقيقات القضائية التي يبدو أنها تنوء تحت ثقل معادلة القوة إياها. يعتبر أركان السلطة أن الحفاظ على تلك المعادلة هو مسألة وجودية تستحق المغامرة حتى وإن لامست المخاطر حدود التضحية بلبنان.

توقف اللبنانيون برمّتهم أمام تحذيرات الموفد الأميركي توم باراك من «خطر وقوع لبنان في قبضة القوى الإقليمية ما لم تتحرك بيروت لحل مشكلة سلاح حزب الله... وإذا لم يتحرك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام» وذلك بعد زيارته الأخيرة لبيروت وتسلمه ورقة الردود اللبنانية. تؤكد هذه التحذيرات أن عبارات الإمتنان التي أُطلقت لم تكن سوى في إطار اللياقات الدبلوماسية التي يفرضها موقع الموفد الرئاسي، أما الصفحات السبع التي تعذر التعليق على فحواها، فيبدو أنها لم تلاقِ الآمال المعقودة عليها بل شكلت ما يشبه خيبة الأمل في واشنطن ونقطة إنعطاف حادة في التقييم الأميركي والعربي لأداء رئيس الجمهورية بشكل خاص والحكومة كموقع للقرار السياسي بشكل عام.

إندفع اللبنانيين للذود لفظياً عن وطنهم إزاء عبارات باراك بمن فيهم أولئك الذين نشأوا على اعتبار لبنان كياناً سلخ عن بلاد الشام أو عن الأمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج أو جزءاً من الدولة الإسلامية بنسختها الإيرانية المتمثلة بولاية الفقيه، حيث احتفظت سوريا بموقعها كمركز ثقل في كل من تلك المعادلات. ولا يغيب طبعاً عن ذلك الأدوار المنشودة لسوريا من قبل أصحاب النظرية الكيانية للبنان عبر استدراجها لدور في لبنان بدأ مع دخول وحدات من الجيش السوري في كانون الثاني 1976 بتشجيع أميركي، لتبدأ في حينه مرحلة التماهي مع دور مستدام لسوريا في كل ما يتعلق بعلاقات لبنان العربية والدولية وفي تشكيل السلطة وإنتاج المجالس النيابية وصولاً إلى أبسط تفاصيل إدارة الشأن العام.

بالتأكيد لسنا في في مجال استعراض الأدوار التي لعبتها سوريا في لبنان وهي كثيرة وقد انتقل جزء هام منها إلى طهران، لكن ما يجب التأكيد عليه أن اكتساب سوريا لتلك الأدوار قد استند إلى عاملين أساسيين:

أولهما، الوظيفة الجيوسياسية الموكلة لسوريا التي استندت إلى موقعها الجغرافي وإلى أوليغارشية حاكمة عمادها عسكرة النظام وإثارة الأقليات. قضت هذه الوظيفة الجيوسياسية لسوريا بالتموضع الدائم على خط المصالح الأميركية كمرتكز للسياسات العامة، والإستعداد لاحتواء ومواجهة كل ما تعتبره الولايات المتحدة تهديداً لأمنها أو أمن حلفائها، وأحياناً إنتاج التهديد حيث تدعو الحاجة لاستدامة الدور. أليس هذا ما اتسّمت به السياسات السورية في لبنان حتى سقوط بشار الأسد، من احتواء الحركة الوطنية وما تبقى من منظمة التحرير الفلسطينية إلى تدمير الحياة السياسية عبر استنهاض الإنقسامات الداخلية واستحداث مراكز قوى موالية داخل المؤسسات الدستورية والأمنية. لقد تمسكت سوريا بوظيفتها الجيوسياسية على حساب لبنان حتى بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني التي أفردت فصلاً مستقلاً للعلاقات اللبنانية السورية المميزة.

وثانيهما، هشاشة الدولة في لبنان والإحجام عن وضع سياسات وطنية عامة تأخذ بعين الإعتبار المصالح اللبنانية والمخاطر المحدقة بالوطن. لقد اتّخذت الحكومات حيال التحولات الهامة التي عرفتها المنطقة منذ الاستقلال ولا زالت موقف العاجز عن فهم المتغيّرات واتّخاذ القرار المناسب، كما أدى الفراغ الجيوسياسي اللبناني دوره في جذب الأزمات الإقليمية وإتاحة المجال لنقل المواجهات إلى داخل لبنان، ودائماً خدمة للوظيفة الجيوسياسية لسوريا ولاحقاً لإيران. وما الهدف من التوتر الذي يتم تسويقه حالياً عبر الترويج لانتشار مجموعات إرهابية بين لبنان وسوريا تخطط لإقتحام الحدود سوى العمل على استمرار حالة القطيعة غير المعلنة بين الحكومتين وإبقاء المجال متاحاً أمام المزيد من التوتر.

يقف لبنان اليوم على عتبة استحقاق إقليمي وليس لبناني عنوانه تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة. فبالتوازي مع رفض حزب الله تسليم السلاح وإحجام الحكومة اللبنانية عن الإضطلاع بدورها وبسط سيادتها على أرضها تطبيقاً للدستور وتنفيذاً للقرارات الدولية، ينتظر اللاعبون الإقليميون إشارة من واشنطن لملء الفراغ اللبناني.

يتمسك رئيس الجمهورية جوزاف عون بما يسميه الحوار للتوصل الى حصرية السلاح ، فيما يعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه يقوم بما يستطيع لإقناع الحزب بالتخلي عن السلاح دون تحقيق أي اختراق. في مواجهة هذه العروض الإقليمية المشار إليها تفرض حقائق الجيوبولتيك على لبنان بشخص رئيس الجمهورية جوزاف عون المبادرة الى بناء علاقة مسؤولة مع سوريا تتجاوز التوتر القائم وتقطع الطريق على أي دور يمكن أن لواشنطن أن تسنده لسوريا، من جهة أخرى تفرض حقائق الإجتماع السياسي على الرئيس نبيه بري التخلي عن الخطاب المبطن ومخاطبة الطائفة الشيعية بكلمة سواء بأن الطمأنينة التي يطمحون إليها لا يمكن تحقيقها إلا في كنف الدولة. فبالرغم من تصويب باراك لما قاله وإعلانه عن التمسك بسوريا ضمن حدودها المعروفة ليس هناك من ضمانة لإسقاط الولايات المتّحدة العمل بنظام الوكلاء؟

 مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات

Twitter: @KMHamade

khaledhamade@rfcs-lb.org

 

المصدر : جريدة اللواء