عام >عام
غسان سامي بقاعي يُزف عريساً يوم رحيله
الاثنين 8 10 2018 09:30هيثم زعيتر
خطف الموت الشاب غسان سامي بقاعي (نجل المستشار في سفارة دولة فلسطين لدى لبنان) قبل أنْ يُكمِل عامه العشرين.
رحيل استبق شهراً من ميلاده في الأوّل من تشرين الثاني 1998، حيث كان يُمنّي النفس بأنْ يكون العيد هذا العام مميّزاً بدخوله إلى الجامعة ودراسة هندسة الميكانيك في ميلانو - إيطاليا، لكن كانت مُنيته هناك، وتحوّلت استعدادات الوالد للمشاركة بعيد ميلاد بكر عائلته، إلى عرس لكن للرحيل.
كان غسان يستبق جيله، متفوّقاً في مدرسته، ومثابراً على الدراسة، وساعده على ذلك توفير والده لكل احتياجاته، وحثّه على تحصيل العلم، فهو السلاح الأنجع في مواجهة كل مفاصل الحياة. يتنقّل بسهولة، ويجتاز كل الإجراءات الأمنية الكاشفة، لأنّه محصّن بمكان لا يمكن اكتشافه، العقل، الذي هو الكنز الأثمن، ويزيد برفع مكانة صاحبه درجات.
بالفعل كان غسّان مواظباً على الدراسة والرياضة، صاحب محيّا سمحٍ، والابتسامة لا تفارق ثغره، فلا تحس بوجوده، من كثرة حيائه وتهذيبه، فهو كنسمة رقيقة، يسبقك دائماً بإلقاء السلام والتحية، بصوته الخافت المهذب، مبادراً إلى عرض المساعدة بطيب خاطر، ودون تباطؤ، ما يترك أثراً طيّباً لدى كل مَنْ عرفه.
ما إنْ أنهى غسان دراسة المرحلة الثانوية، وتخرّج من "ثانوية حسام الدين الحريري" التابعة لـ"جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" في صيدا بتفوّق، حتى طار به والده إلى ألمانيا، لمتابعة تحصيله العلمي، قبل الانتقال إلى ميلانو في إيطاليا، ليدخل الجامعة ودراسة الهندسة الميكانيكية.
وكان سعيداً بأنْ أُتيحت له فرصة العلم، وتحقيق أحلامه، خاصة أنّ والده أراد جمعه وأفراد العائلة التي انتقلت إلى هناك حيث تتابع شقيقته نغم الدراسة في الجامعة، وكذلك شقيقاه عمر ووليد.
كان غسان يحلم بالتخرّج، معاهداً والده بالتفوّق، على أمل الزواج، وتحقيق أمنيته بعرس يليق به، ممنياً النفس بوضع خطوات على طريق الإبداع والشهرة، لكن القدر كان له بالمرصاد، وخطفه فجر يوم الأربعاء في 2 تشرين الأول 2018 في حادث مؤسف في ميلانو.
كان تحقيقاً لعهود ووعود، بنشر الصورة الأولى بالتخرّج من المرحلة الثانوية والشهادة العامة بتفوّق، وهكذا كان، والثانية للتخرّج من الجامعة، والثالثة للعرس، لكنه اختصر المناسبتين الأخيرتين بواحدة، الخروج من دار الفناء إلى دار البقاء، وعرس يليق بالعريس في يوم زفافه، وهو ما حقّقه له والده أمس (الأحد)، ولم يكن بالإمكان استيعاب هذا العدد يوم الزواج، لكن الحشود الغفيرة التي شاركت في التشييع وتقديم التعازي، لم تشهد "عاصمة الجنوب" صيدا مثلها منذ فترات طويلة، توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية والمخيّمات الفلسطينية، للمشاركة في عرس شاب في مقتبل العمر، زُفَّ عريساً في يوم رحيله.
من منزل العائلة بالقرب من دوار القدس في صيدا، الذي يرمز إلى عاصمة دولة فلسطين التي هُجّر أجداده منها، وهي التي لم تغب عن باله، وكان يتألّم من سقوط أترابه شهداء برصاص الإحتلال الإسرائيلي، حُمِلَ نعشه ملفوفاً بالعلم الفلسطيني سيراً على الأقدام، إلى "مسجد الشهداء" بالقرب من الساحة، التي تضم رفات شهداء الوحدة الوطنية اللبنانية - الفلسطينية، الذين سقطوا خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، وصولاً إلى "مقبرة صيدا الجديدة" في سيروب، التي غصت بالمشاركين.
عمّو غسان.. لقد آلم رحيلك كل مَنْ عرفك وسمع عنك، وأدمى قلب والدك، الذي كانت أول أحلامه وآماله زواج ولي عهده، بل كسر ظهره، الجميع لن ينسوك..
رحمك الله، وأسكنك فسيح جنانه، وألهم والدك والعائلة ومحبيك الصبر والسلوان.