عام >عام
ملاحظتان ضروريتان بعد حادثة "ذئب" طرابلس
الأحد 9 06 2019 12:17
لا جدال في أن الحدثَ الذي هزّ مدينة طرابلس عشية العيد وأدى إلى استشهاد عسكريين ورجلي أمن على يد الإرهابي عبد الرحمن مبسوط، مؤلم ومأساوي، وأنه كان مناسبة، في بلد يتمتع مسؤولوه بحس التضامن الوطني، ليكون مدخلاً لربط نزاع لما سبقه من معارك وحساسيات تسبب بها الكلام العبثي والشعبوي حول عدد من الملفات، وفي مقدمها استهداف السنة والإساءة إليهم تلميحاً تارة وتصريحاً أخرى. لكن، كما يقال، فإن الطبع يغلب التطبع، وبدل لملمة الجراح ومواساة المدينة وأهلها وناسها انطلقت جوقة شبه منسقة لترمي المدينة وناسها وقياداتها بالاتهامات جزافاً، في وقت انصرف آخرون لتوظيف ما جرى في سياق النقاش حول الموازنة العامة لتحقيق مكاسب، ومنهم من قفز ليعلن أن قانون العفو في شقه المتعلق بما يسمى "الموقوفين الاسلاميين" بات من الماضي.. وصولاً إلى استهداف الرئيس نجيب ميقاتي في معزوفة مشروخة عبثية تربط بينه وبين متورطين بأعمال ارهابية باعتبار أنه يسعى منذ سنوات لرفع المظلومية عن بعض الموقوفين.
وإذا كان السجال ضرورياً مع كل ما يستهدف أو يسعى لاستضعاف الطائفة السنية، شخصاً أو تياراً أو حزباً أو جهة سياسية، بالسعي للإساءة إلى صلاحيات ومقام رئيس مجلس الوزراء أو اتهام رموزها أو أبنائها، فإن جزءاً من اللوم في السكوت عن مواقف الوزير جبران باسيل، تقع على الجهة – أو الجهتين – اللتين تؤمنان التغطية لمواقف تمس بالتوازن الوطني وتنزلق بالبلاد إلى ما لا تحمد عقباه!
في هذا الإطار، يمكن تسجيل ملاحظتين على مسألتين جاءتا من خارج السياق بعد حادثة طرابلس، الأولى الكلام عن قانون العفو العتيد، والثانية استهداف الرئيس ميقاتي.
أولاً: في الحديث عن قانون العفو العام في شقه المتعلق بمن اصطلح على تسميتهم "الموقوفين الإسلاميين" وعددهم 1300 شخص، و"تبرع" البعض بالقول إن ما جرى في طرابلس يطوي إمكانية شمول قانون العفو لهؤلاء. هذا الكلام يؤكد المخاوف التي سبق أن عبّر عنها من أن يقتصر القانون على أشخاص أو فئات ويستثني آخرين، بدوافع سياسية أو طائفية أو مذهبية، خصوصاً وأن هذا الملف أساساً يشوبه كثير من الغموض بهدف إبقائه أسير التهمة المخيفة "الإرهاب"، فيما المطلوب إنهاؤه وفق الأصول والاجراءات القضائية المعتبرة لإعلان براءة من يستحق البراءة وإدانة أي متورط، إذ إن كثيرين منهم أوقفوا بشبهات غريبة أو مستهجنة، وبعضهم يعاني ظروفاً صحية صعبة، وتوقيف هؤلاء سنين متطاولة ترك آثاراً اجتماعية سلبية جداً، وحشر الموقوفين وعائلاتهم في بازار الابتزاز الداخلي، والتسويق الخارجي تحت عنوان مكافحة الارهاب.
أكثر من ذلك، من الطبيعي أن يستثني لقانون المنشود الجرائم المحالة على المجلس العدلي، أي جرائم الاعتداء على أمن الدولة، والتفجيرات والاغتيالات السياسية، وكذلك العناصر المتورطة بخطف وذبح جنود الجيش اللبناني في جرود عرسال، لكن المفارقة المحزنة فعلاً، ليس التباطؤ في حسم ملفات الموقوفين الاسلاميين فحسب، بل رمي عشرات الشباب في السجون بشبهة الظن والشك من دون إصدار أحكام أو قرارات تخلية سبيل، بما يوصلهم إلى حالات من الياس والضياع، وينمي عندهم الشعور بالظلم والغبن، ويزين لهم مقولات الخروج على الانتظام السياسي والاجتماعي والديني والقيمي، ويجعل منهم فريسة سهلة للانزلاق إلى دروب الارهاب الحقيقي.. وحادثة طرابلس الأخيرة خير شاهد.
ثانياً: لم يعد خافياً أن الأداء السياسي والوطني للرئيس ميقاتي ودعمه للرئيس سعد الحريري وحرصه المطلق على صلاحيات وهيبة ومقام رئاسة مجلس الوزراء بالتضامن والتنسيق مع رؤساء الحكومات يزعج الحريصين على شرذمة الصف السني في لبنان، ويزعج الشعبويين العابثين بالتوازن الوطني، ولأجل ذلك تنبري بين حين وآخر أصوات لتثير غبار الشبهات على مواقفه، وكان آخرها الادعاء بأن المحامي سامر حواط، وهو مقرب من ميقاتي، دفع كفالة مالية لإخراج الإرهابي عبد الرحمن مبسوط من السجن.
الادعاء متهافت، وسرعان ما تبين كذبه (كالادعاءات التي سبقته)، فمبسوط خرج بحكم مبرم من المحكمة العسكرية ومن دون كفالة مالية. لكن العين الحولاء تأبى إلا أن ترى الأمور بالمقلوب.
لا يحتاج الرئيس ميقاتي شهادة في وطنيته ووسطيته واعتداله وعروبته، ولا حتى في صلابته وتمسكه بالدستور والميثاق وحرصه على التوازن الوطني، وأغلب الظن أن خصومه قبل محبيه يعرفون ذلك، لكن تكرار الاستهداف يطرح علامات استفهام كبيرة، ويجعل من البحث عن خلفياته أمراً ضرورياً، ورحم الله القائل:
أرضى ويغضبُ قاتلي فتعجبوا ... يرضى القتيلُ وليسَ يرضى القاتلُ.