عام >عام
من أرسل متظاهري طرابلس إلى العنوان الغلط؟
من أرسل متظاهري طرابلس إلى العنوان الغلط؟ ‎الاثنين 7 10 2019 09:46
من أرسل متظاهري طرابلس إلى العنوان الغلط؟

اندريه قصاص

ثمة من حاول بالأمس، وعن سابق تصور وتصميم، حرف مسار المتظاهرين في طرابلس عن الأهداف، التي من أجلها نُظمّت التظاهرات، وهي مطالبة السلطة بمعالجة أوضاعهم الإقتصادية، وتأمين فرص عمل لهم ولأولادهم، وتوفير الحدّ الأدنى من ظروف تجعل العيش كريمًا وترفع عنهم عبء الهمّ المعيشي، الذي يقضّ مضاجعهم، لأن هذه السلطة هي المسؤولة الوحيدة عن تقديم المساعدات لهم عبر الإنماء المتوازن والإهتمام بأمور العاصمة الثانية، التي تحتاج إلى المشاريع الإنمائية أكثر من أي منطقة أخرى، وذلك نظرًا إلى ما يلحق أهل هذه العاصمة من إجحاف وتهميش ولامبالاة، وقد يكون عدم إعطائها حصّة، هي حق من حقوقها، في التعيينات المختلفة أكبر دليل على عدم منح المدينة الإهتمام الكافي، ولو بحدّه الأدنى، مما يسهم في رفع الغبن اللاحق بها منذ زمن بعيد، وعدم وضعها على جدول أولويات هذه السلطة.
ما حصل بالأمس، عندما توجّه عدد من المتظاهرين إلى دارة الرئيس نجيب ميقاتي، لم يكن بريئًا أو عفويًا، والدليل القاطع أن الذين حرّكوا بعض الناس إلى المكان الغلط، وهم في غالبيتهم أتوا على الدرجات النارية، حاولوا الزج بإمرأة من ضمن هذه المجموعة الذكورية، وإستنادًا إلى ما قالته يبدو أن ثمة من لقنّها ما عليها أن تقوله، الأمر الذي يدل إلى أن هذه "التظاهرة الصبيانية" ليس فيها شيء من العفوية، بل هي مدّبرة بإتقان وحرفية، وذلك من أجل التصويب على مكان آخر غير السلطة، التي هي المسؤولة الأولى والأخيرة عمّا آلت إليه أوضاع الناس، الذين من حقّهم أن يعبّروا عن وجعهم ويطالبونها بأن تقوم بما يجب عليها أن تقوم به تجاه مواطنيها.
فحرف المتظاهرين عن أهدافهم وجعلهم يصبّون جام غضبهم في المكان الغلط ليست سوى محاولة فاشلة ومكشوفة، خصوصًا أن الجهات المحرّضة باتت معروفة، وهي تعمد، وفق مخطط مدروس، على تحريض الناس على بعض القيادات الوطنية، كالرئيس ميقاتي وغيره، وذلك بهدف التخفيف من وطأة التظاهرات العفوية، التي نزلت إلى الشارع للمطالبة بحقها في الحصول على الرغيف وعلى فرص عمل، التي هي من مسؤولية الدولة وليست مسؤولية الآخرين، الذين مدّوا يد العون، قدر الإمكان لسد بعض الثغرات الناتجة عن عجز السلطة، وهم بالتالي غير قادرين على أن يحّلوا محلها، خدماتيًا وإنمائيًا، وهم إنما قاموا بما قاموا به فقط لأيمانهم بأن البحصة يمكن أن تسند خابية، إذا كانت هذه الخابية ملآنة. أما إذا كانت فارغة من أي وجود للدولة، فإن هذه البحصة لا يمكنها أن تحلّ مكان مؤسسات الدولة وخدماتها الإجتماعية ومسؤوليتها تجاه شعبها، الذي يئن تحت وطأة الضائقة الإقتصادية الخانقة.
فمن بين الذين غُرر بهم وقصدوا دارة الرئيس ميقاتي أشخاص يعرفون تمام المعرفة ما تقوم به جمعية "العزم" من مشاريع تعود فائدتها على جميع الطرابلسيين، ويعرفون أيضًا أن ما تقدّمه هذه الجمعية من خدمات إجتماعية إلى أهلها في مدينة الحرمان سدّت في كثير من أحيان ثغرات عجز أهل السلطة وإهمالهم لها، خصوصًا أن ثمة أكثر من مشروع تقدّم بها الرئيس ميقاتي لا يزال نائمًا في أدراج النسيان.