لبنانيات >جنوبيات
صحن الأرز في حسينية النبطية المقدس - بقلم لينا وهب
الجمعة 13 08 2021 21:58جنوبيات
ربّ ممتعض أو ربّ جاهل أو ربّ ساهٍ غفل عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "والذي نفس محمّد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان وأخوه أو جاره المسلم جائع" . أو ربّ منافقٍ أسلكه الشيطان طريق سقر وأرداه فلم يطعم مسكينًا فكان مصداق لما ورد في القرآن الكريم لحال الكافرين إذ يقولون في اليوم الآخر بعد أن يسألهم المؤمنين: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ §قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ§ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ). ففي كلّ عام مع بداية أيام عاشوراء من محرم الحرام تخرج بعض الأصوات لتندد وتشجب وتستنكر بذل الأموال على مضافات الإمام الحسين والموائد والولائم على حبه، كما تقترح أصوات أخرى استبدال الاطعام بأفكار مختلفة من الإحسان ظنًا بذلك أنهم يحسنون صنعًا، على اعتبار أن التهريس لم ترد فيه الأحاديث التي توجبه؛ وإن كانت الهريسة والولائم والمناسف أصبحت عرفًا في المضافات منذ عقود. من السهل فهم وجهة نظر هؤلاء إلا أن ما يغفلون عنه ويتغافلون هو قدسية الإطعام في الإسلام حيث نزل في ذلك أيات كثيرة في القرآن الكريم منها الآية ثمانية من سورة الإنسان (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً)، وآيات أخرى إضافة إلى الأحاديث النبوية المتفق عليها والتي ذكرنا أحدها آنفًا. فلا يخفى على أحد قدسية الإطعام بالإسلام في تحقيق التكافل الإجتماعي إضافةً إلى أهمية ذلك كنوع من مكارم الأخلاق وفضيلة من الفضائل في حفظ ماء وجه الناس المتعففين والمحتاجين وإغاثتهم. وعلى وجه المثال لا الحصر جرت العادة أن تأخذ حسينية النبطية على عاتقها توزيع وجبات الأرز على حب الحسين عقب المجالس عصرًا. ففي عام 2014 حضرت بإحدى تلك المجالس ورأيت بأم العين بعض المشاهد الجديرة بالذكر حيث لاحظت قيام اللجنة المنظمة بتوزيع وجبات من صحون الأرز والحلوى والماء واللبن على الحضور حبًّا بالحسين من دون إنتظار الناس للتوافد على الطاولات والطلب حفاظاً على ماء وجههم، وتنظيمًا لائقًا بمحبي الحسين من الحضور. هؤلاء منهم الفقير ومنهم المقتدر ومنهم ما بين ذلك. فلم يكن من الترف في شيء ولا من التبذير ذلك الصحن من الأرز الذي يكسوه اللحم والدجاج والمزين بالمكسرات، فقد ملىء بطون الفقراء الجائعة الذين لا يجدون ما ينفقونه لتناول وجبة غنية ودسمة كهذه، كما اقتات رجل آخر سرق راتبه من حب الحسين وليمةً أذهبت عنه ضنك الحاجة، وأغاث آخر أثقلته الديون والوضع المعيشي المتردي، وتبرك مقتدر من الطعام نفسه، وكلٌّ سد جوعه وبلل رمقه. تلك المشاهد تعود إلى ذاكرتي وتذكرني بمقولة الإمام الصادق عليه السلام "من أطعم مسلماً حتّى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ماله من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلاّ الله ربّ العالمين، وقوله عليه السلام"من موجبات الجنّة والمغفرة إطعام الطعام السغبان". فكل العجب من عيون لا تبصر، و أصوات تنعق بما لا تفهم، ويغيب عنها معرفة أهمية الإطعام في الإسلام كما الحال في المضافات الحسينية التي لا يجب أن تكون مادة للبحث أو الجدل فيها.