بأقلامهم >بأقلامهم
"من كعب الدست"
جنوبيات
من المعروف قديمًا أنّ "القاورما" كانت تُعدّ من أشهى الأكلات الشعبيّة الدسمة. فقد اتّبع أجدادنا طريقة مميّزة لحفظ اللحم مدّة طويلة، ولا سيّما في فصل الشتاء، وذلك قبل ظهور ما يُعرف بالبرّاد الكهربائيّ. وقد كانت القاورما تُصنع من قطعٍ من "اللحم الهبر" مطبوخة بالدهن، حيث كانوا يطهون لحم الذبيحة بالدهن الذي تحويه في وعاء كبير من النحاس. ثمّ يعبّئونها بعد طبخها في "الدست" وهو وعاء كبير من الفخّار، فتبقى صالحة للأكل طوال فصل الشتاء ولا تفسد. ولمّا كان لحم الهبر، وهو أطيب وأثمن من الدهن، يرسب في كعب الدست بعد طبخه وتعبئته فيه، فقد كان أحدهم إذا أراد التكلّم على جودة ما عنده من القاورما يقول: إنّها من "كعب الدست" أي إنّها شهيّة ولذيذة المذاق وكمّيّة الهبر فيها أكثر من كمّيّة الدهن.
ومع مرور الوقت أصبحنا نستعير عبارة "كعب الدست" في كلامنا على المأثورات الشعبيّة كقولنا: إنّها حكاية من كعب الدست أو "خبريّة" من كعب الدست، أو إنّه تصريح أو بيان خطير من كعب الدست، أو إنّ فلانًا تلقّى علقة (ما يُسمّى "قتلة" بالعامّيّة) من كعب الدست، وما أشبه ذلك.
أمّا اليوم وفي واقعنا الأليم ونحن في "قعر الجحيم" فإنّنا نعيش مأساة أقوى من مأساة (فيدر) لم يسبق لها مثيل في تاريخ الشعوب منذ فجر التاريخ. فقد قام بعض حكّامنا ومسؤولينا بسرقة جنى أعمارنا من كعب الدست، وجعلونا نعيش القهر والحرمان في زمن أضحت فيه الإنسانيّة كلمة لا حياة فيها لمن تنادي!
نسأل الله الفرج القريب، وإصلاح ذات البين، وزرع المحبّة في النفوس.
أسعد الله أوقاتكم من "كعب الدست"...