لبنانيات >أخبار لبنانية
هل يستعيد لبنان لقبه المفقود "مستشفى الشرق"؟
هل يستعيد لبنان لقبه المفقود "مستشفى الشرق"؟ ‎الخميس 11 04 2024 16:04
هل يستعيد لبنان لقبه المفقود "مستشفى الشرق"؟

جنوبيات

عام 2018، حل القطاع الصحي اللبناني في المرتبة الـ23 عالمياً في مؤشر “بلومبيرغ” للوصول إلى الرعاية الصحية وجودتها، متقدماً بذلك على الولايات المتحدة التي حصلت على المرتبة الـ 36، وخلال التصنيفات عينها احتل لبنان المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط.

كان ذلك مباشرة قبل أن تعصف بالبلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة ألقت بثقلها على مختلف القطاعات، ومنها القطاع الصحي الذي سجل فيه انهيار على مستويات متعددة، وإن كان تمكن من الصمود في مواجهة تحديات كثيرة خلال الأعوام الماضية مثل جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، مؤكداً جدارته، إذ عرف لبنان في مرحلة سابقة بـ”مستشفى الشرق”، نظراً إلى المكانة المتميزة للقطاع الصحي فيه بين دول المنطقة وعلى مستوى العالم حتى.

وفي يوم الصحة العالمي، يستعيد الآلاف حقبة ذهبية عرفها القطاع الصحي قبل أن تأتي الأزمة وتفقده مكانته التي اكتسبها بفضل عوامل عدة وميزات له. فما الذي قد يعيد لبنان إلى أعلى المراتب بعد أن أصبح يكافح للصمود بأقل الإمكانات المتاحة؟

هجرة ضربت القطاع

بعد أن عاش لبنان عصراً ذهبياً أكسبه سمعة طيبة بفضل كفاءة طواقمه الطبية والتمريضية وإمكاناته، والعلاجات المتطورة المتوافرة فيه، دفع القطاع الصحي الثمن غالياً خلال الأعوام الأخيرة، حتى تهاوى في مواجهة أزمات عدة لوجستية ومادية ومعنوية.

فمنذ بداية الأزمة شكلت هجرة الأطباء والممرضين ضربة للقطاع، إذ هاجر نحو 3500 طبيب وما لا يقل عن 3000 ممرض وممرضة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية أولاً، ثم على أثر انفجار مرفأ بيروت بهدف البحث عن العيش الكريم والآمن، لهم ولعائلاتهم، مما أفقد القطاع الصحي مجموعة من أهم الكوادر الطبية والتمريضية في اختصاصات أساسية فيه

يشير نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون إلى أن ما ميز لبنان في تلك الحقبة الذهبية كان العنصر البشري القوي من أطباء وممرضين وتقنيين في مجال الأشعة والمختبرات.

وأضاف أن “هؤلاء تمتعوا بكفاءة عالية وخبرة كعناصر بشرية مميزة في العالم. ولأن الوضع المالي كان جيداً، كانت المستشفيات تتجهز بأحدث المعدات المتطورة، وبذلك ما بين العناصر البشرية والمعدات المتطورة بلغ لبنان أولى المراتب على مستوى القطاع الصحي، لكن أتت الأزمة الاقتصادية لتستنزف هذا القطاع، خصوصاً أن المستشفيات لم تعُد قادرة على تأمين المعدات”.

وتابع أن “لبنان خسر كذلك قسماً من كوادره بسبب هجرة الأطباء والممرضين، وإن كان بعضهم عاد أخيراً للبلاد. حتى اللحظة، بقي كثيرون في الخارج بحثاً عن الاستقرار مع عائلاتهم، لذلك لا يزال هناك نقص في اختصاصات عدة، ومنها طب الطوارئ وجراحة الدماغ والشرايين وأطباء الأشعة، إضافة إلى التمريض”.

في الوقت نفسه يؤكد هارون أن القطاع الصحي حافظ على مستوى مقبول، ولو كان شهد تراجعاً بالمقارنة مع السابق، فمما لا شك فيه أن الأزمات التي تعرض لها أسهمت في تقدم بعض دول المنطقة عليه في هذا المجال، مثل دول الخليج التي استقطبت الكفاءات اللبنانية فيما تملك كل الإمكانات المادية لتجهيز مستشفياتها ومراكزها بالمعدات المتطورة، وأيضاً الأردن الذي يتميز بطاقات كبيرة في العناصر البشرية.

وقال، “إذا ما تحسن الوضع المادي، من الممكن أن يستعيد لبنان مكانته المعهودة نظراً إلى الطاقات التي لديه والثقة التي يتحلى بها القطاع الصحي فيه، فعندها سيعود مزيد من الأطباء لملء الفراغ الذي خلفوه وتعود الخبرات”.

إمكانات لم تتزعزع

من جهته، قال نقيب الأطباء في لبنان الدكتور يوسف بخاش في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن “لبنان عرف طويلاً، لا بـ’مستشفى الشرق‘ فحسب، إنما أيضاً بـ’مدرسة الشرق‘ و’جامعة الشرق‘، لكن على أثر الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، انهارت قطاعات عدة ومنها القطاع الصحي الذي شهد تراجعاً لم يسمح له بالحفاظ على لقبه الشهير”.

وذكر أنه “في الوقت نفسه يظهر المشهد حالياً أن القطاع الصحي بمستشفياته في القطاع الخاص تعافى، لا بل أكثر، ربما يكون القطاع الصحي الوحيد في لبنان الذي بقي صامداً فعلاً مع انهيار قطاعات عدة وعلى رأسها القطاع المصرفي”.

ولفت بخاش إلى أنه من الممكن أن تنجز اليوم في لبنان أي إجراء أو جراحة مبتكرة تجري في الدول المتقدمة، بالكفاءات المتوافرة فيه، لكن تبقى المشكلة الأساسية في كلفة هذه الخدمات وتغطيتها في ظل انعدام إمكانات الدولة، فالوزارة وبقية الجهات الضامنة التابعة للدولة لا قدرة لها على تغطية كلف التقنيات الجديدة والتدخلات الجراحية المتطورة. في المقابل، بقي القطاع الخاص صامداً على رغم التحديات ويمكن القول إنه تعافى بالفعل”.

أما في ما يتعلق بهجرة الأطباء التي حصلت بالفعل من بداية الأزمة، وقابلتها هجرة معاكسة عام 2022 مع عودة نسبة لا تقل عن 50 في المئة منها للبلاد، مما يشكل جزءاً أيضاً من التعافي الطبي، لذلك مع تحفظه على لقب “مستشفى الشرق” في المرحلة الحالية، لا يشك بخاش بأنه من الممكن استعادة هذه المكانة، وهذا سيحصل بالفعل، في المقابل، من الممكن أن يعطي لبنان حالياً لقب “طبيب الشرق” نظراً إلى الأعداد الهائلة من الأطباء التي تتخرج فيه سنوياً بالمقارنة مع دول المشرق العربي.

وأضاف أنه “البلد الوحيد في المنطقة الذي خرج هذا العدد من الأطباء، وإن كان قسم منهم يتوجه إلى العمل في الخليج أو في دول أخرى في العالم بسبب الأزمة. فحتى اليوم يبقى الطب من أول الاختيارات التي يتوجه إليها شباب لبنان. أما ما قد يساعد على استعادة مكانته بالفعل بعد التعافي في القطاع الخاص وبتوافر كل المعطيات والهيكلية والكفاءات والكوادر البشرية، فهو التنظيم الإداري و’النفحة الإيجابية‘ من قبل الدولة لأنه لا يمكن لأي مؤسسة أن تحل محل الدولة لاستعادة الثقة التي يمكن أن تكون تزعزعت في المرحلة الماضية بسبب الأزمات المتتالية التي طاولت القطاع الصحي”.

صمود بعد أصعب الضربات

وشكّل انفجار المرفأ في عام 2020 ضربة قاسية للقطاع الصحي لاعتباره أسهم في هجرة مزيد من الأطباء، مما يؤكده مدير العناية الطبية في وزارة الصحة العامة الدكتور جوزيف الحلو، لكن على رغم ذلك، لا يزال القطاع الصحي صامداً، وهذا ما أثبته خلال الأعوام الماضية في مواجهة جائحة كورونا التي انهارت أكبر الأنظمة حول العالم في الدول المتقدمة في مكافحتها.

وشير الحلو إلى أن القطاع الطبي أثبت جدارته في انفجار المرفأ إلى درجة أدهشت العالم، في التصدي لأحد أكبر التحديات والكوارث التي يمكن مواجهتها، مضيفاً أنه “قطاع جبار بشهادة الكل ويقوده أبطال. ونحن شعب اعتاد أن يقع وينهض من جديد، لكن ما يحتاج إليه لبنان اليوم حتى يستعيد مكانه هو الاستقرار السياسي والمالي ليس إلا. أما الأطباء الذين غادروا البلاد، فعاد قسم كبير منهم ولم تعد هذه مشكلة أساسية في البلاد بما أن الكفاءات والكوادر البشرية موجودة”.

وبعد تعافي القطاع الخاص، تتوجه الأنظار اليوم إلى القطاع الرسمي الذي يواجه كثيراً من التحديات حتى اللحظة، نظراً إلى عدم توافر الإمكانات المادية المطلوبة لنهوضه ولتعود الأمور إلى سابق عهدها.

ولفت الحلو الانتباه إلى خطة وضعتها وزارة الصحة اللبنانية لدعم المستشفيات الحكومية وتأمين تغطية أكبر للمواطن فيها، كما حصل في مجال غسل الكلى والعلاج الكيماوي، لذلك سيحظى كل مريض يستفيد من تغطية الوزارة بتغطية أوسع في المستشفيات الحكومية، إضافة إلى افتتاح مراكز خاصة يمكن للمواطن أن يتوجه إليها في مستشفيات حكومية ليلقى الرعاية الصحية المناسبة والمتخصصة.

وتابع أن “موازنة الدولة زادت بمعدل مرة ونصف المرة للمستشفيات الحكومية بالمقارنة مع المستشفيات الخاصة. وبالتعاون مع ’يونيسيف‘ جرى تأمين فارق كلف الاستشفاء والعلاجات للأطفال في هذه المستشفيات ليحظوا بتغطية شاملة. هي مجموعة من الخطوات تقوم بها الوزارة للنهوض بالقطاع الصحي الرسمي علّ ذلك يسهم في تأمين رعاية صحية ذات جودة للمواطنين بمساواة. وبعد تعافي القطاع الخاص، ربما يكون في ذلك المسار الصحيح لاستعادة المكانة المعهودة للقطاع الصحي في لبنان”.

المصدر : وكالات