ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
بيروت راجعة بأهلها الطيبين
بيروت راجعة بأهلها الطيبين ‎الأربعاء 19 01 2022 10:05 المهندس عمر بلوز
بيروت راجعة بأهلها الطيبين

جنوبيات

بيروت شهر أيار ١٩٧٢ الدنيا مغربيات اول ما عم تغيب الشمس.
صار لازم نطلع على البيت ونترك الكزدرة على كورنيش البحر.
الخرجية الي معنا المصروف اليومي خلصت.
كلاوي يا فول أكلنا مع الحامض الي بزيزق السنان وبكزبر البدن مع رشة الكمون.
كعكة محمصة مع زعتر بلا سماق لان ما منحبه كمان اكلنا.
واشترينا قرطاز الفستق من بياع الفستق العبيد السوداني الي واقف على بسطته وريحة تحميص الفستق والدخان الي طالع بشق القلب.
اخدنا الفستقات حتى ناكلهم عالطريق نحنا وراجعين عالبيت.
اليوم الرجعة ما من جهة الحمراء .
الرجعة من جهة عين التينة.
بلشنا بالمشي طلوع من جهة البحر بإتجاه عين التينة صعودا لساقية الجنزير تلة الخياط عايشة بكار.
مشينا بهالبساتين المزروعة تين وأكدنيا ونعنع ولوز وبقدونس وبندورة وبصل أخضر وورد الجوري والفل والياسمين
دخلنا بجنينات فيها بيوت مفتوحة على بعض دون تسييج.
الي بفرق البيوت عن بعض القصب المنتشر بكترة وشجر الصبير.
على جوانب الجنينات زعتر الأخضر والبابونج والحميضة.
نقطفها وناكلها حامضة وطيبة.
الشمس غابت والدنيا صارت ليل والبوت كلها ضوت.
صوت البحر وأمواجه واصل لعين التينة عم يخرق السكون.
الدنيا رواق وهدوء رائع.
شفت هالبيت البيروتي القديم وشبابيكه وابوابه كأنهم لوحة فنية رائعة.
من حبي للمدينة ومتابعة كيفية عيشة البيارتي القدام سرقت نظرة على هالبيت.
لفت نظري روعة البلاط الي كأنه سجادة عجمية.
شفت ضوء القمر الي عم يضرب على البلاط وعلى حيطان هالغرفة.
شفت ست كبيرة بالعمر قاعدة بتختها وحولها اهل بيتها واولادها وأحفادها.
عرفت انها مريضة صار لها سنين عاجزة ما بتقدر تمشي.
راقبت طريقة تعاطي اولادها وأحفادها معها .
بدها تشرب بيتسابقوا حتى يناولوها بريق الفخار.
شفت حدها بريق مي قجاز في بقلبه عدة زهرات من الفل حتي تطعم المي ريحة الفل وتنعش الشارب.
شفت فرش تخت هالست ابيض متل التلج وتيابها مكويين ونضاف عم بوجوا وج من النضافة.
كل أهل البيت ملتفين حولها عم بسايروها ويضحكوها ويمزحوا معها ويديروا بالهم عليها.
في على وجهها ابتسامة ظاهرة بعيونها البراقين من الفرح.
سألت واحد من أحفادها عن هالست جاوبني هيدي ستي حبيبتي عاجزة ونحنا منخدمها.
سألته شو ناطرين مقابل هالخدمة؟
جاوبني كلمة الله يرضى عليكم ويوقف حناين بدربكم ويستر آخرتكم.
هيدي ثروة ما تتعوض و إلي ما عندو كبير يشتري كبير لأن بتدخل البركة على بيته.
صفنت وصرت فكر انو فعلا هالأشخاص الي ربونا وتعبوا علينا مكانهم بآخر عمرهم هو بيتهم بين اهلهم ومحبينهم حتى لقاء ربهم عز وجل.
وما لازم يكونوا موجودين بأي مكان تاني.
ولما يتوفوا لازم يطلعوا من بيتهم وتنعمل قيمتهم ببيتهم ولا من اي مكان تاني.
هيدي أصالتنا وعاداتنا ومفاهيمنا وتقاليدنا نحنا اهل بيروت ما منستغني عنها مهما صار.
المهندس عمر بلوز
ليش صار فينا هيك يا بيروت !

المصدر : جنوبيات