ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
عن كتاب "اغتيال الوعي" للراحل سعيد عياد
الثلاثاء 20 02 2024 11:00جنوبيات
لا يمكن أن ننكر أن هناك أزمة مصطلحات إعلامية، نتيجة لكل تلك العلامات التي تغلغلت في الخطاب الفلسطيني حتى أصبحت جزءا منه، وكان لا بد من وقفة جادة لتصحيح تلك المفاهيم التي، ودون انتباه من الإعلاميين الفلسطينيين، صارت كأنها الخطاب العادي، في الوقت الذي تميل فيه معظم هذه المصطلحات إلى تثبيت وجهة نظر الطرف المقابل في المعادلة الإعلامية.
صدر كتاب الراحل سعيد عياد عن دار طباق للنشر والتوزيع، ووقع في 340 صفحة من القطع المتوسط، وحمل مقدمتين إحداهما للشاعر المتوكل طه، والثانية لماجد عياد.
يقول المتوكل طه في مقدمته حول الإعلام: إن الإعلام ولغته هما الشكل الخارجي للنظام السياسي، هما زيّه، وأذرعه، واستطالاته، وعقله الذي يرد به، وآلته التي يقاتل بها، ولا يغرنا في ذلك ديمقراطية أو ديكتاتورية.
ويضيف في موضع آخر: الجهة المنتجة للمصطلح الجديد أو المتغير، تسعى إلى أن تجعله مصطلحا تستخدمه وسائل إعلام أخرى ومؤسسات أهلية وغير حكومية عبر ترغيبها أو ترهيبها، أو كشروط واستحقاقات مقابل دعمها لها.
وحول قولبة الجمهور يقول طه: قولبة الجمهور تعني جعله متشابها في أفعاله وردود أفعاله، وهذا لا يتم سوى بفرض المصطلح الإعلامي بالتكرار والقوة والإقناع.
ويشير إلى أنه ليس هناك براءة في الإعلام أو حسن نية، كل ما يظهر على الشاشة أو يُكتب أو يقال له هدف.
وحول خطورة المصطلح، يوضح طه: ولأن الاحتلال يدرك خطورة المصطلح وتكراره، راح يعطي للأماكن والجغرافيا أسماءه ليلغي التاريخ الأصلي.
وفي نهاية مقدمته يقول إن القوي هو صاحب الرواية، وسيد السرد، وصانع الصورة، وهو بذلك يعيد صياغة العالم كما يريد.
أما مقدمة ماجد عياد، فقد أوضح فيها عدم رغبة سعيد عياد في مجاملة فعل "اغتيال الوعي" أو تلطيفه، بل قام بوصفه بصفة الاغتيال وليس القتل أو التخريب أو التجويف أو التزييف.
ويبين الهدف الأساسي من الكتاب وهو التأكيد على أهمية التغيير في طرق وأدوات الخطاب لما تحمله الخطابات الحالية من قدرة على خلق وعي بديل.
أما متن الكتاب الذي أعده الراحل سعيد عياد قبل وفاته، فيتضمن ثمانية فصول، يحتوي كل فصل على مجموعة من المصطلحات التي يتداولها الإعلام، ويبين عياد مفهوم كل مصطلح وخطورته، ويقترح مصطلحاً بديلا ليتم تداوله في الإعلام الفلسطيني والعربي.
الفصل الأول يتعلق باصطلاحات حول القدس، يحلل فيها عياد مصطلحات: القدس والضفة الغربية، والقدس الشرقية والغربية، وشرقي القدس، وغربي القدس، والقدس العربية، والفرق بينه وبين "القدس عربية"، والعاصمة الفلسطينية في القدس، والقدس الموحدة عاصمة إسرائيل، والقدس مدينة لعاصمتين، والقدس عاصمة لدولتين، وشطرا القدس، واصطلاح "أورشليم"، وبلدية القدس.
ويكمل الفصل باقتراح اصطلاحات بديلة لكل ما سبق، بحيث يبدأ استخدام هذه المصطلحات بتغيير الوعي الجمعي الفلسطيني بوعي المصطلح الحقيقي والأقرب إلى الواقع من المصطلحات التي فرضها الإعلام الغربي، شاملا الإعلام الإسرائيلي، على الوعي العربي.
يتحدث عياد في الفصل الثاني عن مصطلحات خاصة بالاستيطان، مبينا خطورة مصطلحات مثل مستوطنة التي يفضل استبدالها بمصطلح "مغتصبة" على سبيل المثال، مارا بخطورة مصطلح "إزالة المستوطنات غير الشرعية"، ما يعطي إيحاءً بأن هناك مستوطنات شرعية، وكما في كل فصل يعطي عياد اقتراحات لمصطلحات بديلة.
يتعلق الفصل الثالث بمصطلحات الجدار الذي بنته إسرائيل في الضفة، والفصل الرابع يوضح اصطلاحات الحدود والجغرافيا عبر تناول تسعة مصطلحات، هي: (الخط الأخضر، الضفة الغربية، يهودا والسامرة، المناطق، الجيوب الفلسطينية، الإدارة المدنية، شطرا الوطن)، بينما يسرد الفصل الخامس اصطلاحات القومية التي تسمي فلسطينيي الداخل "عرب إسرائيل"، ويوضح في الفصل السادس المصطلحات الخاصة بالدولة والسيادة، وفي السابع يتناول اصطلاحات الصراع، بينما يتعلق الفصل الثامن بمصطلحات النضال.
لا يُلزم عياد قراءه باصطلاحاته البديلة، إنما يعتبر كتابه بقعة ضوء تلقى على الإعلام، لما له من أهمية غير مدركة في غالب الأوقات إذا ما قورنت بالحالة السياسية والعسكرية والاقتصادية، فهو يدعو إلى التفكير في خطورة المصطلحات التي يستخدمها الإعلاميون العرب عامة، والفلسطينيون خاصة، لكي يتم تغييرها كخطوة في طريق تغيير الوعي الجمعي الذي تم اغتياله عبر هذه المصطلحات.
وُلد سعيد إبراهيم عياد في عمان عام 1960، لأسرة هُجّرت من قرية "دير عمار" غرب القدس، وهو حاصل على شهادة الدكتوراة في علم النفس الإعلامي من جامعة محمد الخامس في المغرب عام 2008.
عمل في العديد من الصحف الفلسطينية، وكان أحد مؤسسي هيئة الإذاعة والتلفزيون، وعمل فيها حتى عام 2014، وقام بتأسيس تلفزيون بيت لحم عام 1995، وأسس جريدة الأخبار ورأس تحريرها عام 1993، كما عمل في وكالة رويترز، ومحللا سياسيا في قناة "إيه أن أن"، كما كان أحد مؤسسي نقابة الصحفيين.
نشر مجموعة قصصية بعنوان "المهمشون"، وكتابا بعنوان "الإعلام الإذاعي ـ النظرية والتطبيق"، و"صراع العقل السياسي الفلسطيني"، و"دور التلفزيون في تنمية التفكير الإبداعي"، و"مجزرة الأقصى والتحدي الكبير".
توفي عياد في تشرين الأول 2021 متأثرا بفيروس كورونا.