بأقلامهم >بأقلامهم
"علم الفراسة"!
السبت 2 03 2024 23:09
القاضي م جمال الحلو
جنوبيات
هذه الحكاية سمعتها من رجل كبير في السّنّ يتميّز برصانة وحكمة قلّ نظيرهما، ومضمونها يتمحور حول "علم الفراسة".
يُحكى أنّ رجلًا دخل إحدى الممالك وراح يتجوّل في شوارعها وهو ينادي:
"أنا رجلٌ سياسيّ، أحلّ المشكلات كلّها وأصالح بين المتخاصمين... أنا سياسيّ".
فسمع الملك نداءه وطلبه إلى مجلسه.
بادر الملك بالقول، موجها كلامه الى الشخص الذي ينادي بانه سياسيّ:
أنت سايس تُعنى بتربية الخيول،وإني أمتلك فرسًا عنيدة أريدك أن تسوسها وتدرّبها.
الرجل : يا مولاي أنا سياسيّ ولست سائسًا، وليست حرفتي تربية الخيول. الملك : هذا أمر... إذهب واعتنِ بفرسي، وإلّا قتلتك.
الرجل مذعورًا: حاضر يا سيّدي.
فأمر الملك بوجبتين للرّجل، رزّ وحساء، في الغداء والعشاء.
باشر الرجل تربية الفرس أيّامًا ثمّ هرب، فقبض عليه حرس الملك وقدّموه له.
الملك : لماذا هربت؟ هل وجدت في فرسي عيبًا جعلك تهرب من تربيتها؟
الرجل : سأخبرك عن عيب فرسك ولكن إمنحني الأمان.
الملك : منحتك الأمان، ما عيب فرسي؟
الرجل: فرسك أصيلة، لكنّها لم ترضع من حليب أمّها.
غضب الملك من كلام الرجل واتّهمه بالكذب، وزجّ به في السّجن. ثمّ أمر بإحضار السائس السابق. وسأله : "قل لي من أين رضعت فرسي، وإلّا قطعت عنقك".
قال السايس: "عندما ولدت فرسك ماتت أمّها، فلم أجد لها حليبًا سوى من بقرة كانت في الحظيرة، خفت من بطشك فأخفيت الأمر عنك".
عندها أمر الملك بإحضار الرجل من سجنه، وسأله: كيف عرفت أنّ فرسي لم تكن أصيلة؟
قال الرجل: "الفرس لا تبحث عن الكلأ والعشب، بل يُحضر إليها وهي رافعة الرأس. كانت تتصرّف فرسك كالبقر، فتبحث عن طعامها وتطأطئ رأسها له".
أُعجب الملك بفراسة الرجل، وأمر بأن يجعله مستشارًا لزوجته الملكة. رفض الرجل لكنّ الملك هدّده بالقتل، فامتثل الرجل لأوامره. ثمّ أمر الملك بجعل وجبة السايس، دجاجتين في الغداء والعشاء.
عملَ الرجل مع الملكة أيّامًا ثمّ هرب، فألقى الحرس القبض عليه وقدّموه للملك.
الملك : ماذا وجدت في زوجتنا الملكة حتّى هربت؟
الرجل : وهل ستمنحني الأمان لو أخبرتك؟
الملك : نعم، لك ذلك.
الرجل : زوجتك ملكة، ولكنّها ليست ابنة ملوك كما تتصوّر.
غضب الملك ووضع الرجل في السجن. ثمّ سافر إلى عمّه (والد زوجته) في المملكة المجاورة، وعندما اختلى به وضع السيف على رقبته وقال له : "أخبرني ما حقيقة نسب ابنتك لك".
عندها قال له "عمّه":
"نعم هي ليست ابنتنا من صلبنا، كانت عندي ابنة عمرها عامان وماتت مريضة. وكنت قد اتّفقت مع والدك على تزويجها لك عندما تكبر. فعندما ماتت أحضرتُ طفلة من الغجر وربّيتها على أنّها ابنتي... وزوّجتها لك".
عاد الملك إلى مملكته، ثمّ أخرج الرجل من السجن وسأله: كيف علمت بأصل زوجتي؟
فقال له : "من طباع الغجر أنّهم يغمزون حين يتكلّمون، وزوجتك كثيرة الغمز في الكلام".
زاد إعجاب الملك بالرجل، وقرّر تعيينه خادمًا لأمّه. حاول الرجل التهرّب لكنّ الملك هدّده بالقتل، فقبل. وأمر الملكُ بأن يضعوا له خروفين يوميًّا "في غدائه وعشائه".
بعد أيّام هرب الرجل، فأحضره الحرس مجدّدا.
الملك : ماذا وجدت من أمّنا؟
الرجل: وهل ستمنحني الأمان؟
الملك : نعم. قل ما عندك.
الرجل : أنت لست ابن والدك الملك.
غضب الملك وأودع الرجل السجن. ثمّ ذهب إلى والدته وسألها: هل أنا ابن الملك؟
حاولت الملكة الأمّ التهرّب من الإجابة ثمّ استسلمت معترفة: "كان زوجي الملك عقيمًا، ومع ذلك يتزوّج في كلّ عام بنتًا من بنات المملكة، وبعد تسعة أشهر يذبحها إذا لم تنجب. حتّى تزوّجني، فاضطررت إلى معاشرة طبّاخ القصر، فأنجبتك".
عاد الملك إلى القصر وأمر بإحضار الرجل، ثمّ صرخ قائلًا له: تبًّا لك كيف عرفت سرًّا خطيرًا كهذا؟
ردّ الرجل : "الملوك لا يكافئون بالطعام. وأنت كلّ مكافآتك لي كانت عبارة عن تزويدي بالطعام. فالطبّاخون هم من يكافئون بالأكل وليس الملوك.
إنه علم الفراسة(لرؤية أوضح وفهم عميق). والفراسة تعني الذّكاء والبداهة والفطنة. ويقصد بها الوعي العالي للتمييز بين "ما هو صحيح وما هو خطأ".
بعد هذا كلّه، ماذا لو أجرينا بحثًا مستفيضًا عن أصول بعض السّياسيّين؟!
الجواب:
ربّكم يعلم السّرّ وأخفى. والبعض قد اعتمر قبّعة "الإخفاء".
اللهمّ سترك ورضاك وحسن لقاك...