بأقلامهم >بأقلامهم
هوكشتاين: العودة للقرار 1701 ضمناً الخروقات الإسرائيلية.. والخط الأزرق هو الحدود.. أو حرب مدمرة؟
لم يمر نهار 12 تموز/يوليو 2006 على الحدود الجنوبية اللبنانية مع فلسطين المحتلة مروراً عادياً، ان من حيث صدمة الحدث التي هزّت الكيان المحتل بعد أن توقفت عقارب ساعاته عن الدوران أقله مع لبنان، وإن في نجاح المقاومة الإسلامية بفرض تقويم مغاير للصراع في الشرق الأوسط حينما جعلت من المستحيل ممكناً على مدى 33 يوماً من الصمود التاريخيّ بوجه جيش الاحتلال الصهيوني، ليبدأ العمل بتوقيت جديد، هو توقيت "حزب الله"، تدور عقاربه وفق عقيدة "النضال المستدام" من خلال إستراتيجية الجهاد والمقاومة، التي تلقفتها حركة "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، فكان "طوفان الأقصى" فجر يوم السبت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وما تلاه في اليوم التالي من إعلان المقاومة الإسلامية في لبنان عن بدء العمليات العسكرية ضد مواقع العدو في الشمال الفلسطيني المحتل، ومساندة كل من "أنصار الله" في اليمن والمقاومة الإسلامية في العراق لجبهة غزة، يجمعهم في ذلك ليس فقط وحدة الساحات العسكرية ضد العدو الصهيوني، بل ما هو أكثر بُعداً وأعمق ترابطاً هو وحدة "الميدان الديني الإسلامي" والإيمان المشترك بحتمية زوال الكيان، من هنا مكمن صمود المقاومين في غزة فهم مناضلون، لن يوقفوا القتال لأنهم موعودون بالنصر الإلهي ومُبتغاهم الشهادة، ومن ناحية أخرى هم عمليون، يفاوضون على إنهاء الحرب من خلال وقف دائم لإطلاق النار.
هذه الحرب وإن حاول الكثيرون توصيفها بأنها حرب محدودة في المكان غير مقيدة بالزمان، مع إمكانية تطورها إلى حرب إقليمية شاملة بسبب حتمية التدخل الإيراني المباشر إن أقدمت حكومة الاحتلال على زجّ قواتها البرية في لبنان، فإنّها قد بدأت منذ اليوم الأول حرباً "شبه إقليمية" ببصمات دولية، وذلك للأسباب التالية:
1- التنافس الجيو-عسكري بين جيش الاحتلال من جهة وحركة "حماس" والمقاومة الإسلامية اللبنانية مباشرة، وبغير المباشر مع العراق واليمن من جهة أخرى، على نوعية الأسلحة وتطورها ما جعل ساحات المواجهة مكاناً لاستعراض تفوق الأسلحة الروسية والإيرانية وحتى الصينية، على الأميركية والألمانية والبريطانية والإيطالية والكندية والهولندية.
2- التدخل العسكري الأميركي والبريطاني وقصفهم لمواقع الحوثيين في اليمن وكذلك لمواقع الحشد الشعبي في العراق ومشاركتهم غير المباشرة في غزة ولبنان، يؤكد أن حلفاء الكيان الصهيوني ينظرون إلى وحدة الساحات ضد العدو نظرة تهديد جيو-إستراتيج لوجودهم في المنطقة ككل، وتمس المصلحة العليا للأمن القومي.
3- ضعف في التقدير من قبل العدو الصهيوني ومن حوله لعمق العلاقات الإيرانية السياسية والجيو- دينية إن مع "حزب الله" في لبنان أو "الحشد الشعبي" في العراق أو "أنصار الله" في اليمن أو حتى مع "حركات المقاومة الفلسطينية"، والقائمة على أسس عقائدية دينية من ضمنها أن المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين عامة أولى القبلتين وثالث الحرمين ومحط ليلة الإسراء، كما والبعد الإسلامي للقضية الفلسطينية في نصرة المظلومين، من هنا مكمن العداء الإيراني للكيان الغاصب وتصديها له حتى لو قضت الحاجة الذهاب إلى حرب إقليمية شاملة بدل أن تبقى شبه ذلك.
4- تبدل نمطي في الفكر السياسي لدى معظم مجتمعات الدول الغربية تجاه القضية الفلسطينية سيما طلاب الجامعات، وانقلابهم جذرياً على ما يسمى "مفهوم الدولة الديمقراطية الوحيدة" للكيان المحتل في الشرق، إضافة لبعض حكومات الدول مثل اسبانيا وأيرلندا والنرويج وغيرهم بعد اعترافهم رسميا بدولة فلسطين المستقلة.
ما يؤكد أن أحداث غزة والمنطقة تركت بصماتها في دول العالم كافة.
وفي الوقت الذي يتم فيه البحث عن حلول مُجدِية لإنهاء الحرب في غزة من خلال المفاوضات تلو الأخرى، والتي تزداد كل يوم تعقيداً بالرغم من مقترح "جو بايدن" الأخير لوقف النار في غزة ليشمل بالتالي جنوب لبنان، إنما جاء ليؤكد أن الكيان المحتل يعيش هاجس "حزب الله" ما بعد غزة، فما هو القرار الواجب اتخاذه مع لبنان؟
إن كانت حرباً فستكون أصعب بكثير من الحرب في غزة، لأن أمام العدو ست معضلات: الأولى سوق الأسلحة ويتعلق هذا الأمر بمدى تجاوب الولايات المتحدة في حربه على لبنان، والثانية اقتصادية ومؤشراتها منخفضة، فكيف سيصمد في حرب أخرى؟ والثالثة التوافق الداخلي على الحرب، والرابعة الحاجة الماسة للشرعية الدولية لهذه الحرب، أما النقطة الخامسة وهو جيش الاحتلال، فهل بإمكانه تحمل سنة أخرى من الحرب إن في غزة أو في لبنان؟ والمعضلة السادسة بالنسبة للعدو هي "حزب الله" بحد ذاته، وذلك ليس بالأمر السهل الممكن تجاوزه على الإطلاق.
وإن كان إحياء للقرار 1701 الذي ولد ميتاً، بحيث لم يتبق منه شيئاً سوى قوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في ثكناتها في جنوب لبنان، كونه منذ بدء سريان وقف إطلاق النار صباح يوم 14 آب/أغسطس، ولغاية تاريخه لم يحترم العدو القرار 1701 حيث سجل لبنان 35 ألف خرق صهيوني لمضمونه بما في ذلك انتهاك سيادة لبنان الجوية والبرية والبحرية.
وكان قد سبق تصريح بايدن تسريبات على لسان كبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين مفادها: أن "الكيان المحتل لا يناسبه تطبيق القرار 1701، لأنه من مصلحته العسكرية والأمنية أن يبقى يحلّق فوق الأجواء اللبنانية"، وذلك أمام الوفد النيابي اللبناني الذي زار واشنطن بمبادرة من النائب فؤاد مخزومي خلال النصف الأول من شهر مايو الحالي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يذكر فيها هوكشتاين بأن لا مصلحة للعدو في القرار 1701، فقد سبق وصرّح بهذا خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، لا بل ذهب في الكلام أبعد من ذلك حينما قال: "فلنعتبر الخط الأزرق هو الحدود النهائية بين لبنان وإسرائيل"، ليعود فيتحدث بلغة الابتزاز عن "منحة كهربائية للبنان في حال الاتفاق حول الحدود البرية مع الكيان"، وهكذا تصاريح لا يمكن تبريرها "بزلات اللسان" خاصة أنها صادرة من شخصية مسؤولة، أمّا لماذا تعمد هوكشتاين ذلك، فيندرج تحت الأسباب التالية:
1- يحاول العدو وضع شروط مسبقة وغير قابلة للتفاوض، منها استمرارية انتهاكاته للأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية، وذلك قبل العودة إلى تطبيق القرار 1701.
2- استباق أي محاولة لـ"حزب الله" ترمي إلى فرض قواعد اشتباك جديدة تقوم على معادلة "الخرق يقابله خرق والانتهاك يماثله انتهاك".
3- محاولات هوكشتاين التدرج بتمرير الرسائل الخطرة، بداية وجوب قبول لبنان بـ"حقوق" صهيونية في الأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية من خلال العودة إلى خروقاتها المعتادة بعد توقف الحرب.
ومن ثم تصريحه حول اعتماد الخط الأزرق خطاً نهائياً "للحدود الدولية"، ليستكملها بعد أيام بكلام لا تفسير له سوى: "الحدود مقابل رشوة كهربائية "، لكن عن أي حدود يتحدث؟ هل بقصد القبول بالخط الأزرق كما هو؟
4- حاجته الأمنية والعسكرية للأجواء اللبنانية، دلالة واضحة على هدفه العدائي المستمر في استباحة السيادة اللبنانية بغية متابعة نشاطات "المقاومة الإسلامية" وغيرها، كما أنها مؤشر واضح على نواياه المبيتة ضد شخصيات في "حزب الله"، إضافة إلى عزمه على الاستمرار بشن هجمات ضد أهداف مختلفة في الجمهورية العربية السورية من خلال الأجواء اللبنانية.
5- الضرورات الأميركية الملحة لإجراء تقاطع في المعلومات مع الكيان المحتل حول التواجد الروسي في سوريا، من خلال ما يرصده الطيران الصهيوني أثناء تحليقه في الأجواء اللبنانية - السورية.
6- تهديد مُبطن يُغلفه ابتزاز للحكومة اللبنانية عبر وضعها أمام خيارين إمّا القبول بالقرار 1701 منقوص المضمون والاكتفاء بالخط الأزرق كحدود دولية، أو الذهاب إلى حرب مدمرة قد تؤسّس لقرار أممي جديد لا يُناسب لبنان.
تندرج كل هذه الأسباب في إطار اللعبة الدبلوماسية - العسكرية التي يُتقنها هوكشتاين جيداً، فهو قد تمرس عسكرياً على يد جيش الاحتلال وامتهن فن المراوغة الدبلوماسية في واشنطن، وبالتالي يحاول كسب أرصدة إضافية من لبنان، ليستثمرها في حساباته المفتوحة مع الكيان المحتل، فهل ينجح في ذلك؟ في وقت فشلت فيه المبادرة الفرنسية سابقاً، وفشل معها الكيان المحتل سياسياً في تشكيل منطقة عازلة جنوب الليطاني، فهل يسعى إلى تشكيلها ميدانياً من خلال عمليات التدمير والتهجير الممنهجة على امتداد الشريط الحدودي وبعمق 7 كلم؟
قد ينجح نظرياً في ذلك لكنه سيفشل عملانياً، لسبب واحد هو أسلوب المبادلة بالمثل الذي ينتهجه "حزب الله" ضد مستوطنات الجليل إن في التهجير أو التدمير أو حتى من خلال المسيرات وما حملته من صواريخ جو - أرض "S5" في واحدة من المفاجآت التي أعدتها المقاومة للعدو أو من خلال إسقاطها لمسيرات العدو وليس آخرها "Hermes 900 - كوخاف" في الأول من هذا الشهر.
مع التأكيد أنه ولأول مرة في تاريخ الكيان تقف حكومة يمينية صهيونية عاجزة أمام معادلتين: حزام أمني داخلي في الجنوب اللبناني، يقابله حزام أمني داخلي في الشمال الفلسطيني المحتل وللمرة الأولى منذ تأسيس الكيان يتم إخلاء منطقة كاملة في الشمال الفلسطيني المحتل بعد أن أصبحت مسرحاً لعمليات "حزب الله" العسكرية…