بأقلامهم >بأقلامهم
وطنية سجينة وقومية أسيرة



جنوبيات
نهارأمس الثامن عشر من شهر شباط كان يوما من أيام الله، امتشق الوطن فيه قامته مما قبع فيه من دهاليز الهمجية وأنفاق الوحشية على مدى أشهر، ليشرئب هامه في المدى ألقا وزهوا وأنفة وكبرياء، مترنما بشعاره: "هنا نحن و لْنَفُزْ عظيما".
إزاء ما نحن فيه سجنت وطنيتي وأسرت قوميتي حذرا من أن تتسلل مشاعري وعواطفي إلى نورانية المشهد فتخدشه وإلى ملائكية الحدث فتنال منه، لأن ما حصل يسمو إلى الإنسانية ويرتقي إلى العالمية ليخط فصلا زاهيا في سجل التاريخ ويُدَوِّنَ صفحات مضيئة في متحف الأيام.
أجل، ما حصل بالأمس تنوء الكلمات بوصفه وتعجزالأبجدية عن ترجمة ما يثيره من مشاعر، لذلك سوف أتجاوز الكلمات و الأبجدية وأكتفي بالوقوف على ثلاثة مشاهد من المشاهد التي تحتشد في الذاكرة و ما أكثرها :
نعال الشهداء
الشهيدة فاطمة عطوي إبنة الأربعة عشر ربيعا
والأم الآتية من النبي شيت لتحتضن طيف ابنها الشهيد
تم انتشال أشلاء شهداء من بين الأنقاض من بينها نعالهم، تلك النعال التي كان للشهداء من خلالها العلى والعلياء، و كان لنا كذلك و للأمة من خلالها العزة والأنفة والكبرياء.
الشهيدة إبنة الأربعة عشر ربيعا فاطمة عطوي التي سقطت في حولا كانت إصابتها في الصدر حيث كانت وجهتها الوطن، ولم تكن الإصابة من الخلف ليقال أنها نتيجة الخوف والهرب.
كذلك والدة الشهيد الآتية من بلدة النبي شيت من البقاع إلى كفركلا وكان أن اهتدت إلى جعبة ابنها الشهيد حيث احتضنت طيفه النوراني وراحت تُتْحِفَ شمّها بما في جعبته من أثير ملائكي، مزغردة مزدهية متبجحة، تنضح قسمات وجهها بالفخر والفخار.
هؤلاء كانوا قد تيمموا بطهر ثرى الوطن وطهارة ترابه فكان لهم ما صّبَوْا إليه وطمحوا إلى نيله وتحقيقه .
أمام هذه المشاهد، سجنت وطنيتي وأسرت قوميتي حذرا من أن تتسلل مشاعري وتتغلغل عواطفي فتنال من عالمية العامليين وتخدش إنسانية وطنيتهم وشهادتهم كونها أعمُّ وأشمل من وطن و أرحب من قوم و أمة.
هنا أتذكر مقولة الباحث والمفكر المغربي الدكتور إدريس هاني بقوله أن جبل عامل جبل الأنبياء، معللا ذلك بمقارنة طريفة بين الجغرافيا والتاريخ بقوله : أن أعلى جبلين في الجغرافيا هما جبال هيملايا البالغ ارتفاعها 6654 مترا وجبل كليمنجارو البالغ ارتفاعه 5895 مترا، يضاهيهما ارتفاعا في التاريخ جبل عامل بما فيه من أئمة فقهاء وعباقرة علماء و مجاهدين شهداء.
إزاء ذلك أعود إلى ماذكرته منذ أيام مرفقا بقنبلة طالع من فوهتها باقة من سنابل قمح ذهبية، مرفقة بالقول: يخرج الطيب من الخبيث، ويستخرجون البنسلين من العفن، فهل تخرج السنابل من القنابل، يليها علامتا استفهام وتعجب، يقينا وثقة، استنادا إلى ما سبق ذكره، بحتمية خروج السنابل من القنابل، سنابل ذهبية مأتلقه في تربة روتها دماء الشهداء ومنحتها الخصب والخصوبة رصانة الأتقياء والأولياء.