عربيات ودوليات >اخبار عربية
اتفاق شمال حمص: تقسيط "الحل" السوري وتكريس لدور موسكو
الجمعة 4 08 2017 09:42محمد أمين
يساهم الاتفاق الثالث لـ"تخفيف التوتر" في سورية، والذي شمل ريف حمص الشمالي هذه المرة، بتكريس روسيا لاعباً رئيسياً في القضية السورية التي تتعامل معها موسكو على قاعدة "تقسيط" الحل، بما يضمن أن تنتهي هذه القضية بشكلٍ يراعي مصالحها في شرقي المتوسط. والحل الذي تريده روسيا يقوم على إعادة إنتاج النظام السوري، وتهميش الدورين الإيراني والتركي، وفق تفاهمات مع الجانب الأميركي الذي يركز جهده على محاربة تنظيم "داعش" في شرقي البلاد.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الخميس، عن التوصل إلى اتفاق بشأن إنشاء "منطقة ثالثة لتخفيف التوتر" في سورية تشمل ريف حمص الشمالي، بعد أيام من اتفاقين مماثلين في جنوب سورية، والغوطة الشرقية لدمشق. وتسعى موسكو إلى "تثبيت" الأوضاع في سورية "على ما هي عليه" بانتظار نضوج الظروف التي تتيح التوصل لحلول دائمة. ونقلت وسائل إعلام روسية عن المتحدث باسم الوزارة، اللواء إيغور كوناشينكوف، قوله إن "الجولة الأخيرة من المفاوضات بين العسكريين الروس وممثلي المعارضة السورية المعتدلة في القاهرة في 31 يوليو/ تموز الماضي، توجت بالتوصل إلى اتفاق بشأن طريقة عمل منطقة تخفيف التوتر الثالثة التي تشمل 84 مدينة وبلدة في ريف حمص الشمالي يتجاوز تعداد سكانها 147 ألف شخص"، وفق تأكيده.
وأشار المتحدث إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار بين قوات النظام والفصائل المعارضة في المنطقة "دخل حيز التنفيذ اعتباراً من منتصف نهار الخميس بالتوقيت المحلي"، لافتاً إلى أن الهدنة "لا تشمل مسلحي تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين"، بحسب قوله. وأشار إلى أن ما تسميه روسيا بـ"المعارضة المعتدلة" تعهدت "في سياق الاتفاقات التي تم التوصل إليها، بطرد جميع الفصائل المرتبطة بهذين التنظيمين من مناطق سيطرتها في محافظة حمص، وكذلك بإعادة فتح جزء من طريق حمص - حماة". وكشف عن أن "الشرطة العسكرية الروسية ستقيم، اعتباراً من يوم الجمعة، معبرين في منطقتي حربنفسه، والدوير، وثلاث نقاط رصد في مناطق الحميرات، وقبيبات، وتل عمري على طول خط التماس في المنطقة". وأكد المتحدث أن "وحدات الشرطة العسكرية الروسية ستتولى مهمة الفصل بين الطرفين المتصارعين، ومتابعة تطبيق نظام وقف العمليات القتالية، فضلاً عن ضمان إيصال المساعدات الإنسانية وإجلاء المرضى والمصابين من دون أي عوائق". وأشار إلى أن "جميع المتضررين سوف يتاح لهم تلقي العلاج المطلوب، إما في مستشفى عسكري روسي أو في أحد المستشفيات السورية"، وفق قوله.
وذكر كوناشينكوف أن "المهام الإدارية اليومية في منطقة تخفيف التوتر، بما في ذلك استئناف عمل مؤسسات الحكم والمؤسسات التعليمية والاجتماعية، أوكلت إلى مجالس محلية تضم سكان المنطقة، وذلك علاوةً على تشكيل لجنة العدالة الوطنية التي ستضم ممثلي المعارضة والمجموعات الطائفية والعرقية والسياسية المقيمة في المنطقة"، وفق قوله. وأكد أن هذا القرار "جاء في إطار الاتفاق الذي تم التوصل إليه أوائل يوليو/ تموز الماضي في الجولة الخامسة من مفاوضات أستانة والذي يقضي بإنشاء 4 مناطق لتخفيف التوتر في سورية".
ويأتي اتفاق شمال حمص بعد أيام من اتفاق مماثل شمل الغوطة الشرقية لدمشق، المحاصرة منذ أكثر من 4 سنوات، كما يلي الاتفاق الروسي - الأميركي بمشاركة الأردن، والذي لم تكن إسرائيل بعيدة عنه، الخاص بالمنطقة الجنوبية من سورية، والتي تشمل درعا والسويداء والقنيطرة. وكان اجتماع "أستانة 4" قد تمخض، في مايو/ أيار الماضي، عن إعلان محافظة إدلب وأجزاء من محافظات اللاذقية وحلب وحماة وحمص وريف دمشق (الغوطة الشرقية) ودرعا والقنيطرة، بوصفها مناطق "وقف تصعيد"، تمتنع الأطراف المتحاربة فيها عن القتال، ويعلّق طيران النظام السوري طلعاته الجوية فوقها. ووقعت على الاتفاق تركيا وروسيا وإيران، وهي الدول الضامنة لاتفاق التهدئة في سورية. لكن المعارضة السورية رفضت وجود إيران كدولة ضامنة "لأنها دولة طائفية محتلة تقتل الشعب السوري"، وفق مصادر المعارضة.
من جانبه، أكد الناطق باسم تيار "الغد السوري"، منذر آقبيق، أن رئيس التيار، أحمد الجربا، وهو الرئيس الأسبق لـ"الائتلاف الوطني السوري"، قام بتأدية "دور الوساطة في اتفاق حمص" والذي جاء "برعاية" مصرية، وفق آقبيق.
وكان الجربا أدّى الدور نفسه في اتفاق الغوطة الشرقية لدمشق والذي أبرم أيضاً في العاصمة المصرية في العشرين من الشهر الماضي، ودخل حيّز التنفيذ. ولا يزال معظم ريف حمص الشمالي تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، ويضم عدة مدن وبلدات وقرى، أهمها مدينتا الرستن وتلبيسة وبلدتا الغنطو والدار الكبيرة، إضافة إلى بلدات منطقة الحولة: تل دو وتلدهب الطيبة وكفر لاها، بشمال غربي حمص.
وتسبب الحصار والقصف الجوي، المتواصل منذ عام 2012، على هذا الريف، بمقتل وإصابة آلاف المدنيين وتهجير آلاف آخرين، فضلاً عن الدمار الكبير الذي طاول مدنه وبلداته وقراه. وكانت روسيا قد أعلنت عن تدخلها العسكري المباشر في سورية أواخر عام 2015 بقصف ريف حمص الشمالي، الذي يضم عدة فصائل عسكرية تتبع "الجيش السوري الحر"، مثل "جيش التوحيد"، و"الفرقة 313"، و"جيش العزة"، و"حركة تحرير الوطن"، و"فيلق حمص"، وفصائل معارضة أخرى، منها "ألوية الرستن"، و"ألوية الحولة"، و"حركة أحرار الشام الإسلامية"، و"جيش الإسلام".
وأكدت مصادر مطلعة أن "هيئة تحرير الشام" التي تشكل جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) ركنها الأساسي، لا تتمتع بحضور يعتد به في مناطق المعارضة المشمولة باتفاق خفض التوتر في ريف حمص الشمالي، مشيرةً إلى أن عدد مقاتلي الهيئة "محدود". وأضافت المصادر أن "لا تأثير، ولا حضور فاعلاً لهم في المشهد".
ويتميز شمال حمص عن غيره من المناطق التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة بعدم وجود تأثير لتنظيمات "متطرفة"، ولكن هذا الأمر لم يقف حائلاً دون قيام طيران النظام والطيران الروسي بارتكاب مجازر بحق المدنيين على مدى سنوات. ولم يحظ اتفاق القاهرة بموافقة كامل الفصائل التابعة للمعارضة. وأكد قائد حركة "تحرير الوطن"، العقيد فاتح حسون، أن موقفه "لم يتغير" من الاتفاق، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أي شيء يأتي بمنفعة فلا مانع لدينا، لكننا نرفض سياسياً كل مخرجات الاتفاق".
وتعتبر المعارضة السورية الاتفاقات التي تبرمها روسيا في سورية "التفافاً على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الذي ينص على وقف إطلاق النار، وإخراج المعتقلين، وفك الحصار، وإدخال المواد الغذائية". وهذه الاتفاقات تتم في ظل غياب كامل لمؤسسات الثورة (الائتلاف الوطني، والهيئة العليا للمفاوضات) عنها، وهو ما يساهم في تهميش المعارضة السورية، وتقليص تأثيرها في القرارين العسكري والسياسي.
وأشارت مصادر فاوضت الجانب الروسي في القاهرة، إلى أن الاتفاق الخاص بشمال حمص "ليس وليد الأيام القليلة الماضية". وقالت في حديث مع "العربي الجديد"، إن أحمد الجربا طرح الموضوع على وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إبان زيارته لموسكو أواخر يونيو/ حزيران الماضي. وأشارت المصادر إلى أن موضوع المعتقلين في سجون النظام من أبناء محافظة حمص "أخذ جانباً مهماً من التفاوض مع الروس". وأكدت أن "الروس وعدوا بدراسة الملف". وبيّنت المصادر أن قوات شيشانية سوف تتولى مهمة الفصل بين قوات المعارضة وقوات النظام في منطقة خفض التوتر في ريف حمص الشمالي.
ولم تبق إلا محافظة إدلب ومناطق محيطة من دون اتفاق نهائي. وليس من المتوقع أن يبرم اتفاق مماثل لاتفاقات الغوطة وشمال حمص وجنوب البلاد بعد سيطرة "هيئة تحرير الشام" أخيراً على المنطقة، وهو ما يزيد أوضاع المنطقة الحدودية مع تركيا تعقيداً، ويدفع الأحداث فيها إلى عدة خيارات، منها التدخل العسكري المباشر من الجيش التركي.