لبنانيات >أخبار لبنانية
"عن أي زعامة تتحدثون"؟ هكذا تكون قمّة المسؤولية.
"عن أي زعامة تتحدثون"؟ هكذا تكون قمّة المسؤولية. ‎السبت 9 03 2019 18:33
"عن أي زعامة تتحدثون"؟ هكذا تكون قمّة المسؤولية.

جنوبيات

كان لافتًا حديث الرئيس نجيب ميقاتي بالأمس، الذي تحدّث للمرة الأولى عن الإنتخابات الفرعية في طرابلس، بعد إبطال نيابة الدكتورة ديما جمالي، والتي تحدّدت في 14 نيسان المقبل، وهو يصادف أحد الشعانين لدى الطوائف المسيحية، التي تتبع التقويم الغربي، وبعد يوم من ذكرى بداية الحرب العبثية في لبنان.

وما لفت المراقبين في حديث الزعيم السني الأول في طرابلس، وهو الذي كانت له مواقف متمايزة، منذ اليوم الأول لإبطال نيابة جمالي، حين دعا إلى تجنيب عاصمة الشمال معركة إنتخابية، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الكثير من الخدمات على كل المستويات، وهي التي تنتظر، ومنذ وقت طويل، أن تكون من ضمن أولويات الدولة الغائبة عنها، والمغيبة عنها المشاريع الإنمائية، وهي الموجودة في أدراج الحكومة، وتحتاج إلى من يحرّكها ويفرج عنها، من أجل تحريك عجلة الإنماء في "عاصمة الحرمان والإهمال".

فطرابلس ليست في حاجة إلى معارك إلهائية جديدة، بل هي في حاجة إلى من يتطلع إلى مشاكل أهلها وناسها، وهي كثيرة، وقد جاء الرئيس ميقاتي على ذكر البعض منها، فيكون بذلك قد وضع يده على الجرح النازف منذ زمن، الذي لا يلقى لدى المسؤولين على المستوى الرسمي من يداويه أو من يبلسمه ومن يضع حدًّا للمعاناة الطويلة، التي لم يعد من الجائز الوقوف أمامها بأيدٍ مكتوفة.

فمع هذا الحجم الهائل والمخيف لمعاناة أهل الشمال عمومًا، والطرابلسيين خصوصًا، جاء من يقول، وبجرأة من يتحسّس مع ناسه، الذين وقفوا إلى جانبه بالأمس القريب ومنحوه ثقتهم المطلقة، وهو الذي يقف كل يوم إلى جانبهم، ويسأل عن أي زعامة تتحدثون في وقت نرى بأم العين ما يعانيه أهلنا نتيجة إهمال الدولة لهم.

بهذه الجرأة الادبية، وبهذه الفروسية، ردً الرئيس ميقاتي على تساؤلات كثيرة عن موقفه من الإنتخابات الفرعية في المدينة، بعد شهر وخمسة أيام من الآن، فكان جوابه مفاجئًا لكثيرين، وهو الذي انحاز إلى جانب هموم الناس وحاجاتهم اليومية ومعاناتهم التي لا حدود لها، سائلًا عن أي زعامة تتحدثون، وكأنه كاد يقول "باطل الاباطيل وكل شيء تحت الشمس باطل"،  "وكُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ".

وبذلك يكون الرئيس ميقاتي قد حوّل معركة صغيرة إلى معركة أكبر، وهي بحجم معاناة الناس، أينما وجدوا، وبالأخص في طرابلس، المدينة المعنية مباشرة بالمعركتين الصغيرة والكبيرة، المعركة الأولى، وهي محصورة ومحدودة، ولا تتخطى حدود نائب بالناقص ونائب بالزائد، والثانية، وهي المعركة الأهم، بحيث لا يموت مريض على باب المستشفيات، وحيث يكون التعليم المجاني متاحًا للجميع، وبمستوى راقٍ ويليق بكرامة الإنسان، وحيث تكون فرص العمل متوافرة لآلاف من الشباب، الذين يتخرجون من الجامعات والمعاهد، وحيث يلقى المواطن الإهتمام الكافي من دولته،وحيث تعمّ البحبوح، وحيث لا يضطّر أي مواطن للحصول على حقه الطبيعي أن يطرق كل الأبواب، التي عادة لا تُفتح أمامه إلاّ في مواسم الإنتخابات، وحيث يكون الإنسان في وطنه أكثر من رقم إنتخابي.

هذه هي خلاصة الخلاصات. فإذا لم يبق للزعيم سوى الدخول في زواريب المصالح الضيقة والتلهي بالقشور، فعن أي زعامة نتحدّث. فالزعامة ليست موسمية، بل عمل متواصل والوقوف الدائم، غير الخاضع للظروف والصدف، إلى جانب ناسه وأهله. وبذلك يرتقي من رتبة زعيم إلى مصاف رجال الدولة، الذين يملكون رؤية شاملة عن كيفية النهوض بالوطن، وكيفية تحسين حياة المواطنين. وهذا ما يفعله نجيب ميقاتي.