بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام -"طال انتظارها"
جنوبيات
أخيراً، تقدمت #نقابة المحامين في بيروت ممثلة بالنقيب #ناضر كسبار بدعوى أمام محكمة البداية المدنية في بيروت الناظرة بالقضايا الإفلاسية بوجه أحد #المصارف، التي تملك النقابة حساباً فيه، وموضوع الدعوى "إعلان المدعى عليه متوقفاً عن الدفع وفقاً لأحكام القانون رقم 2/67 وتعديلاته".
قانون العام 1967 الذي صدر على أثر أزمة بنك إنترا، يضمن حماية المصرف كمؤسسة وتحقيق أفضل المعالجات التي تضمن بطبيعة الحال حقوق المودعين. لكنه يبدأ بإزاحة المسؤولين عن إدارة المصرف كمقدمة للمعالجة، وهذا سبب الرفض القاطع من المعنيين لتطبيق أحكامه. فالقانون المذكور ينص على أن المحكمة تعيّن مديراً موقتاً من ذوي الخبرة لتصريف أعمال المصرف العادية واتخاذ التدابير الاحتياطية، ثم تعيّن لجنة تتولى صلاحيات مجلس الادارة والجمعية العمومية العادية وتمثل مجموعة دائني المصرف المتوقف عن الدفع وتتخذ التدابير التي تؤمن مصالح أصحاب الحقوق وتُعطى اللجنة حق عقد الاتفاقات الآيلة الى استئناف نشاط المصرف عن طريق التمويل أو أي إجراء آخر بموافقة المحكمة، وهنا بيت القصيد، والمدخل لفتح المصارف أبوابها وعودة العمل فيها تدريجياً.
صحيح أن القانون 2/67 أعطى حاكم مصرف لبنان أن يطلب من المحكمة تطبيق أحكامه على المصرف فور ثبوت توقفه عن الدفع (المادة 2)، لكنه أعطى أيضاً كل دائن حق طلب تطبيق احكام هذا القانون (في الحالتين المنصوص عليهما في المادة 489 من قانون التجارة). وهذا ما فعلته نقابة المحامين، وهو ما تمت الدعوة إليه "بالنظام" بتاريخ 1/4/2022.
مرة أخرى ينبغي التمييز بين القطاع المصرفي وبين القيّمين عليه. هذا التمييز ليس واضحاً عند كثير من المودعين، وقد لا يكون ذا أهمية عند بعض المناهضين للرأسمالية عامةً، أو بنسختها المطبّقة في لبنان. يُعزّز هذه التوجهات أن الطبقة السياسية والمصرفية تبدو جهةً واحدةً بفعل التقاطع الثابت في المصالح ووحدة المصير.
حين تقول ما يقوله القانون في معالجة أزمة المصارف، ذلك لا يعني أنّك تُناصِب القطاع المصرفي العداء. فالحفاظ على القطاع مطلوب لأنه يتكوّن من المودعين بالأساس، ولأنه عِماد الاقتصاد ويجب أن يعود اليوم إلى ممارسة عمله ويخرج من المكان الذي وضع نفسه فيه بسبب السياسة الأسوأ التي اختارها في مقاربة أزمة السيولة. فالحفاظ على القطاع لا يعني حماية المسؤولين عن إدارة بعض المصارف، الذين خالفوا قواعد العمل الإلزامية قبل وخلال الأزمة.
المسار الذي سلكته نقابة المحامين من شأنه وضع الأزمة المالية المصرفية على سكة المعالجة القانونية السليمة. وهذا يعني إنهاء البِدَع التي ظهرت وطَغَت حتى الآن، ومنها موضوع توزيع "الخسائر" و"الفجوة المالية" ومحاولات تحميل المودعين وِزرها، وبدعة الـ "لولار" الوهمية التي اخترعها المسؤولون المصرفيون عندما توقفوا فعلياً عن الدفع فهلَعَ المودعون إلى البنوك لسحب أموالهم، كما هي العادة في الأزمات، فأقنعت المصارف هؤلاء المودعين بالتنازل عن بعض ودائعهم مقابل الحصول على قِسمٍ منها نقداً، وهذا القسم النقدي ما انفكّ يتضاءل حتى لامس العشرة بالمئة. وأقنعتهم بأن الودائع بالدولار أصبحت باللولار وبأن نسبة كبيرة منها هي عبارة عن خسائر ينبغي توزيعها "بشكل عادل"، بينما القانون يقول عكس ذلك والودائع لا يمكن نفي وجودها القانوني أو نفي طبيعتها أو تغيير عُملتها، إلا بمنطق التسلّط الذي مورس منذ بدء الأزمة، والذي يولّد حكماً تصرفات مقابلة، أحد مظاهرها اقتحام المصارف من المودعين واستعمال السلاح لتحصيل الحقوق.
دعوى النقابة خطوة قانونية صائبة قد تُنتج ثورةً في ذهنيّة معالجة الأزمة ومسارها، سوف تكتمل عندما تتلقفها المحكمة المختصة كما هو منتظر وتضع القانون رقم 2/67 على سكة التطبيق. ثورة تعيد الحقوق إلى أصحابها ويستعيد معها القضاء مكانته ودوره.