بأقلامهم >بأقلامهم
النقيب زغيب في المعركة الأخيرة: لا تتركوا المالكيّة دافعوا عنها
جنوبياات
تعتبر "معركة المالكيّة" من أهمّ المعارك التي خاضها الجيش اللبنانيّ مباشرة ضدّ العدو الإسرائيليّ، بالشراكة مع "المفرزة اللبنانيّة" المنضوية تحت لواء جيش الإنقاذ، وكانت بقيادة الملازم أوّل محمّد زغيب. تقع المالكيّة شمال مدينة صفد في فلسطين المحتلّة، وعلى بعد نصف كيلومتر من الحدود اللبنانيّة، وكانت حتّى العام 1923 تابعة للبنان.
ورد في الجزء الرابع من "الموسوعة الفلسطينيّة"، استعراض تفصيلي لمعركة المالكيّة التي حصلت ليل 14- 15 أيّار/ مايو سنة 1948، على النحو الآتي:
المالكيّة بين كرّ وفرّ
تحرّكت الكتيبة الأولى من اللواء اليهوديّ “يفتاح” وتمكّنت من احتلال قرية قدَس والمعسكر البريطانيّ خارج المالكيّة، وقرية المالكيّة نفسها، ولم يكن يدافع عن تلك المنطقة سوى عدد قليل من عناصر جيش الإنقاذ على رأسهم الملازم محمّد زغيب الذي كان يقود المفرزة اللبنانيّة.
وقبل أن يعزّز قائد الكتيبة الصهيونيّة مواقعه المحتلّة، دفع العقيد أديب الشيشكلي قائد قوّات جيش الإنقاذ في الجليل (ورئيس الجمهوريّة السوريّة بعدها) بمفرزتين من قوّاته تعاونتا مع وحدة من الجيش اللبنانيّ للقيام بهجوم معاكس قويّ. أجبر هذا الهجوم القوّات الصهيونيّة على الانسحاب من المنطقة كلّها بعد أن خسرت عددًا كبيرًا من رجالها، وبذلك جرى استرداد المالكيّة والمعسكر وقدس.
غير أنّ القوّات اليهوديّة استطاعت إعادة التجمّع والتنظيم وتعزيز ملاكها وأسلحتها وبدأت تستعدّ لاسترداد المالكيّة، لا سيّما أنّ “القائد العام للقوّات العربيّة“ في عمّان عدّل الخطة السابقة التي كانت تحدّد دخول القوّات الشاميّة إلى فلسطين من الحدود اللبنانيّة، وحدّد لهذه القوّات محور “سمخ”، وهكذا لم يبقِ في الشمال سوى وحدات جيش الإنقاذ والجيش اللبنانيّ الذي كُلّف بالدفاع فقط بموجب التعديل الذي أُدخل على الخطة.
تحرّكت في ليل 19 أيّار/ مايو قوّة إسرائيليّة معزّزة بالمدرّعات إلى داخل الأراضي اللبنانيّة وقامت بالتفاف باتّجاه المالكيّة من داخل الأراضي اللبنانيّة. ونجح العدوّ في مفاجأة المالكيّة واحتلالها على الرغم من المقاومة العنيفة التي أبدتها القوّات المدافعة عنها، كما احتلّ “قدَس” ونسف الجسور كافّة المؤدّية إلى تلك المنطقة، سواء من الأراضي اللبنانيّة أو الشاميّة.
استعادة المالكيّة
قام قائد قوّات جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي بتجميع قوّاته، وقد أُلحق به فوج لبنانيّ مُعزّز بالدبّابات بقيادة المقدّم جميل الحساميّ، وفوج البادية، بقيادة المقدّم طالب الداغستاني، وسرايا عدّة مستقلة، إلى بطاريّتيّ مدفعيّة.
تقرّر أن يكون الهجوم يوم 6 حزيران/ يوليو الساعة الواحدة والنصف ظهرًا لمفاجأة العدو الذي تعوّد انتظار الهجوم عند الفجر، وقد طلب القاوقجي مساعدة الطيران الشاميّ في استطلاع المنطقة بكاملها، فاستطاع بذلك أن يعرف بدقّة مواقع القوّات الإسرائيليّة ودرجة تحصينها ومناطق تجمّع احتياطها.
وفي الوقت المحدّد للهجوم بدأت مدفعيّة جيش الإنقاذ تصبّ نيرانها على مواقع العدوّ بينما تحرّكت قوّات الهجوم نحو أهدافها. ودارت معارك عنيفة بين الجانبين، فيما الطيران الشاميّ يقوم بدوره في القصف والاستطلاع. لم ينتهِ النهار حتّى كانت المالكيّة قد استُعيدت، وفي اليوم التالي تمّت استعادة قدَس وتطهير المنطقة بكاملها من القوّات المعادية. تميّزت معارك المالكيّة بعنف القتال والتعاون الجيّد بين قوّات جيش الإنقاذ والجيش اللبنانيّ والطيران الشاميّ.
"الشهيد" معروف سعد يروي المعركة
شارك معروف سعد في معركة المالكيّة وكان شاهدًا على بطولات اللبنانيّين والسوريّين في قتالهم المستميت للحفاظ عليها وعلى رفيقاتها من القرى المجاورة الفلسطينية واللبنانيّة. معروف سعد النائب في البرلمان اللبناني في ما بعد، والشهيد برصاص السلطة اللبنانيّة في العام 1975، روى فصولّا من المعركة في مذكّراته، وكان يومها في مطلع شبابه، فيقول:
“أتذكّر روح قائدي وأخي ورفيق جهادي الشهيد النقيب محمّد زغيب. كان لقائي به، بعد الدراسة، في ربيع العام 1948، وجحيم المعركة في أرض فلسطين يُنذر بكارثة مروّعة. كنّا في جنوبيّ لبنان على مرمى حجر من أرض المعركة. وتجمّع الفدائيّون من لبنان، من بعلبك والشوف وقرى الجنوب وصيدا، يرفضون تقسيم فلسطين. وكنّا يومها في حاجة إلى من يقود جموع الفدائيّين في أرض المعركة. والتقينا الملازم أوّل محمّد زغيب الذي استأذن قيادة الجيش اللبنانيّ للقيام بهذه المهمّة. ثم انتقلنا مع البطل إلى أرض المعركة، وخضنا مع العدو معارك ضارية كبّدناه فيها خسائر كبيرة.
ويتابع: “اتخذ البطل “زغيب” مركزًا لقيادته في المالكيّة، قرية حدوديّة قريبة من عيترون اللبنانيّة. وبعدما هال العدو ما كبّدناه من خسائر، قرّر ضباط العدوّ الانتقام بشراسة وضراوة وحشيّتين من الفرقة اللبنانيّة وقائدها الشجاع، فهيّأوا هجومًا كبيرًا خاطفًا على المالكيّة، وزحفوا علينا ليلة الخامس عشر من أيّار/ مايو 1948، تنبّه حرّاسنا الشجعان ودافعوا ببسالة، ووزّع القائد جنوده بحكمة وإحكام”.
محمد زغيب قائدًا شهيدًا
ويضيف معروف سعد: لا أزال أذكر الشهيد علي فرج، وكان متطوّعًا معنا وهو في الخامسة والسبعين من عمره، يضحك كلّما أصاب إسرائيليًّا وأرداه، ويقول لي: “اشهد يا معروف… هذا واحد… اثنان… ثلاثة…” حتّى أردى منهم سبعة، ثم أصابته رصاصة أسكتت مدفعه، فاقتربت منه ورأيته قد نام على مدفعه مبتسمًا من سقوطه شهيدًا في ساحة المعركة.
كان ذلك نحو السادسة صباحًا. وفيما أنا واقف قرب جثّة علي، سمعت صوتًا ينهرني:
معروف، خذ مكانك، أنا ذاهب من هنا. التفتّ ورائي فإذا به القائد الحبيب (زغيب) يترك مركز قيادته، مدفعه في يده، ويذهب ليأخذ مكانه بين الجنود. خفت عليه، هرعت أقنعه بالعودة إلى مركز قيادته وألّا يعرّض حياته للخطر فنحن في أقصى (أمسّ) الحاجة إليه. لكنّه لم يستمع إلي.
ولم يمرّ الوقت حتّى أصابته رصاصتان من نوع “دمدم”: أولى في رأسه قرب الدماغ، والأخرى في صدره جهة القلب، مزّقت صورة لزوجته كان يحتفظ بها قرب قلبه. لم أستطع سحبه من أرض المعركة. عرضت أن أحمله وأذهب به، فرفض. قال لي: “هيّئ لي مسدّسي، إذا داهمنا العدوّ هنا، أطلق رصاصة على رأسي فلا يبلغونني إلّا ميتًا. الضابط اللبنانيّ يموت قبل أن يستسلم للعدو”. واختبأنا على البيدر وراء القشّ وقتًا طويلًا وهو ينزف بشدّة ولا يبدو عليه الضعف، إلى أن خارت قواه.
ومع ساعات الهدنة الأولى، حين جاءت قوّة لنقله إلى مستشفى صور، فتح عينيه المتعبتين وقال: “لا تتركوا المالكيّة، احتفظوا بها. لا تسجّلوا عارًا على فرقة كنت أقودها”.
إلى مستشفى صور، كانت القيادة، عن طريق النبطية، ترسل “الدم” مرات عدّة في اليوم الواحد أملًا بإنقاذ حياته. “حين زرته بعد ثلاثة أيّام، علمت أنّه رزق ببنت في طرابلس. وخلته سيحدّثني عنها. لكنّه بادرني أوّل دخولي عليه: معروف… أما زالت المالكيّة معنا؟”. وحين هززت رأسي “نعم” أغمض عينيه وارتسمت على شفتيه بسمة ارتياح. وعلمت أن تلك الكلمات كانت آخر ما نطق به، قبل أن يُسلم الروح بعدها بيومين”.
استشهاد وحياة
كان الضابط البطل يعطي أوامره ويدير المعركة. غير أنّ هذه المعركة لم تكن متكافئة القوى: شعر الإسرائيليّون أنّ في المالكيّة قوّة مقاتلة، على رأسها ضابط غير عاديّ، فجيّشوا لمعركتهم جحافل مؤلّلة وراجلة، وهجموا بضراوة وشراسة.
يوم الخميس في 13 أيّار/ مايو 1948 عانق الملازم محمّد زغيب في طرابلس زوجة حبلى تنتظر الوضع بين ساعة وساعة، يودّعها وفي عينيه أملان كبيران: أن يشهد مولودًا له، وأن يسجّل في المالكيّة انتصارًا جديدًا لجيش لبنان البطل. وفيما كانت ابنته في صباح 15 أيّار/ مايو، تعيش الساعات الأولى من حياتها في مستشفى طرابلس، كان هو يعيش الساعات الأولى من معركة المالكيّة.
استيقظت خاسينتا زوجة محمد زغيب في السادسة من صباح السبت 15 أيّار/ مايو لتدرك أنّها صارت أمًّا لطفلة، وكان أول ما تبادر إلى ذهنها: “يجب أن نخبر محمد”. وفي السادسة من صباح السبت 15 أيّار/ مايو كانت رصاصة تستقر في صدر محمّد، فيسقط مضرّجًا بدمائه.
العاشرة من ذلك الصباح، وفيما “مستشفى عبد الوهاب” طرابلس يستقبل المهنّئين بالمولودة الجديدة، جاء الخبر عن الجبهة: محمّد أصيب، حالته تدعو إلى القلق، وهو في مستشفى صور. سرى الخبر صاعقًا بين الحضور، وكان الهمس يتردّد واحدًا: لا تخبروا خاسينتا، لا تفسدوا عليها فرحتها بمولودتها الجديدة.
بعد ساعتين، كان علي بيشاني يقف إلى جانب سرير صهره محمّد في مستشفى صور. وإذا بالضابط المصاب يبتسم من بين أوجاعه: أهلًا عمّي، في وجهك خبر. بنت يا محمد، خاسينتا ولدت بنتًا. الحمد لله، سنسمّيها جُهينة. لو جاءنا صبيّ كنت سأسمّيه جهاد. سلّم لي على خاسينتا، ولا تقل لها إنّني مصاب عساي بعد أسبوع أتعافى أكثر وأجيء إلى طرابلس، أقبّلها، وأرى جهينة.
ابن يونين شهيدًا في ثراها
بعد أسبوع، لم يذهب محمّد فرحًا إلى طرابلس ليرى خاسينتا، إنّما هي التي جاءت مفجوعة إلى مستشفى صور، تلقي النظرة الأخيرة على زوجها الضابط الشاب الذي أغمض عينيه إلى الأبد يوم الجمعة 21 أيّار/ مايو 1948 قبل أن يتسنّى له إلقاء النظرة الأولى على ابنته التي ولدت يوم أصيب.
عصر الأحد 23 أيّار/ مايو 1948، كان مأتم مهيب بكت فيه بلدة يونين البعلبكيّة ابنها الشهيد، وبكاه معها كلّ من عرفه، أو سمع عنه، أو عن مزاياه التي كانت فريدة بين الرجال.
زغيب ولادة ونشأة وبطولة
هو محمّد سعيد عقل زغيب المولود مع اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914، للشيخ عقيل زغيب زعيم يونين وحكيمها. نشأ بين أخويه نجيب ونايف، حتّى إذا انقصف الأوّل في ريعان الربيع، بقي نايف علامة مميّزة في النزاهة والشرف. ويكون محمّد نبيهًا منذ طفولته، فيلتحق بـ”مدرسة المطران” في بعلبك، ثمّ بالمدرسة الوطنية في عالية، فالكلّيّة العلمانيّة في بيروت. وبرز في المدارس الثلاث، متميزًا في علاماته وأخلاقه.
كان في الثالثة والعشرين سنة 1937 يوم دخل المدرسة الحربية، متخرّجًا منها بعد سنتين (1939) مرشّح ضابط. بدأ مهمّاته العسكرية بديناميّة لافتة. وإذ عين القيادة ساهرة على عناصرها، رقّته سنة 1941 إلى رتبة ملازم. وفي طرابلس، حيث كان يسكن قريبًا من موقع خدمته في نقطة العبدة الحدوديّة، تعرّف إلى الفتاة خاسينتا بيشاني 15 سنة ابنة صاحب البناية التي استأجر فيها شقّته، فهام بها ولم يلبث أن تزوّجها في أواخر 1942 .
كان قائدًا لموقع الدامور حين اعتقلت سلطات الانتداب رئيس الجمهوريّة بشارة الخوري وصحبه في قلعة راشيّا في تشرين الثاني/ نوفمبر 1943. فاتّصل الضابط النبيل محمّد زغيب بحكومة بشامون الوطنيّة واضعًا نفسه وجنوده في خدمتها. وحفظ له القادة اللبنانيّون هذه البادرة، فلم يكد استقلال لبنان يُعلن، حتّى أعلنت قيادة الجيش ترقية محمّد زغيب إلى رتبة ملازم أوّل في العام 1944. وينال في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1945 وسام الجهاد اللبنانيّ.
اندلعت في العام 1948، الحرب الفلسطينيّة، وتمّ تعيين الملازم أوّل محمّد زغيب ضابط ارتباط في القيادة العامّة للجيوش العربيّة. غير أنّ دمه الثائر أبى أن يبقيه إداريًّا في مكتب. شعر بالحاجة الجارفة إلى الالتحاق بالجبهة مع رفاقه. قدّم استقالته من وظيفته الإداريّة، وتطوّع في 12 نيسان 1948 لقيادة سريّة من المقاتلين المتطوّعين مثله، فخاض معارك مشرّفة انتصر فيها على العدوّ، وأبرزها في أوّل أيّار/ مايو 1948 “معركة الهراوي” التي احتلّ فيها المواقع الأماميّة على رغم صعوبة المهمّة. ولمع نجمه بين رفاقه الأبطال في جيش لبنان.
إلى المالكيّة درّ
الخميس في 13 أيّار/ مايو 1948 يعانق في طرابلس زوجة حبلى تنتظر الوضع بين ساعة وساعة، يودّعها وفي عينيه أملان كبيران: أن يشهد مولودًا له، وأن يسجّل في المالكيّة انتصارًا جديدًا لجيش لبنان البطل. وفيما ابنته، تعيش صباح 15 أيّار/ مايو الساعات الأولى من حياتها في مستشفى طرابلس، كان هو يعيش الساعات الأولى من معركة المالكيّة.
كانت إصابة الملازم محمّد في صدره، رصاصة واحدة اخترقت ثديه الأيسر عند جيب القميص فثقبت تلك الجيب وثقبت معها بطاقة الهويّة وورقة نقديّة بمئة ليرة لبنانيّة واحدة، لم يكن يملك سواها، كانت موضوعة بالجيب.
بعد استشهاده، كرّمت قيادة الجيش اللبنانيّ شهيدها البطل، فأصدرت أمرًا بترقيته إلى رتبة نقيب ابتداءً من 15/8/1948، وفي 25 أيّار/ مايو 1948 صدر عن قائد الجيش فؤاد شهاب “أمرًا عامًّا رقم 1” يمنح بموجبه وسام الأرز من رتبة فارس إلى الشهيد محمّد زغيب. وأطلقت القيادة اسمه على ثكنة النهر الجعيتاوي وفي صيدا، وعلى إحدى بنايات المدرسة الحربيّة في الفيّاضيّة. كما أطلقت اسمه على دورة الضبّاط المتخرّجين في العام 1949.
المالكيّة الوديعة
تقع شمال مدينة صفد، على بعد نصف كيلومتر من الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة. كانت حتّى العام 1923 تابعة للبنان. أنشئت المالكيّة في جبال الجليل الأعلى فوق سفح يطلّ على الغرب، يبلغ ارتفاعه 690 مترًا عن سطح البحر. قام اقتصاد المالكيّة على الزراعة وتربية الماشية، واعتمد السكّان في الشرب والأغراض المنزليّة على مياه الأمطار التي كانت تُجمع في الآبار.
بعد أن احتلّها اليهود وشرّدوا سكّانها ودمّروها وأقاموا عليها في العام 1949 كيبوتز “ملكياه” جنوب شرق القرية.
ثمّة نصف كيلومتر يفصل قرية المالكية عن الحدود اللبنانيّة، وكانت طريق فرعية تصلها بغيرها من القرى وبالطريق العام الساحليّ غربًا، ومن الجائز أن تكون المالكية بنيت في موقع قرية “الكفرغون “البيزنطيّة، ومن الجائز أيضًا أن يكون الموقع القديم هذا شغلته قرية “أمّ جونيه” التي تقع على بعد كيلومتر إلى جنوب بحيرة طبرية.
كانت المالكية قرية في ناحية تبنين لواء صفد، وعدد سكّانها 369 نسمة. وكانت تؤدّي الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج كالماعز وخلايا النحل. في أواخر القرن التاسع عشر وصفها الرحّالة بأنّها قرية مبنيّة بالحجارة والطين في سهل يقع شرقيّ أحد الأودية. وكانت القرية تستمدّ حاجتها من المياه من وادٍ مجاور، وكان عدد سكّانها يتراوح بين 200 و300 نسمة يعتنون بزراعة الزيتون.
ظلت المالكيّة جزءًا من لبنان حتّى العام 1923، حين رُسمت الحدود النهائيّة بين لبنان وفلسطين وكانت على شكل مربّع ومنازلها متجمهرة بعضها البعض. وكان للشرطة مركز بالقرب من القرية في جنوبها الشرقيّ، وكان سكانها يعملون في معظمهم في تربية المواشي والزراعة فيستنبتون الحبوب والزيتون والفاكهة بصورة أساسيّة.
معارك عاتية قبل الاحتلال
تنقّلت المالكيّة خمس مرّات بين أيدي المتقاتلين في الفترة الممتدّة من أيار/ مايو إلى تشرين الأول/ أكتوبر 1948. فقد احتلتها وحدات من “البلماح” في أواسط أيار/ مايو قبل نهاية الانتداب البريطانيّ. ويقول المؤرّخ الفلسطينيّ هاني الهنديّ” إنّ القرية كانت أصلًا في يد فوج اليرموك الثاني من جيش الإنقاذ العربيّ، وكان الفوج بإمرة المقدّم أديب الشيشكلي، الذي صار رئيسًا للجمهورية السوريّة في ما بعد”.
ويذكر “أنّ البلماح استولى على المالكيّة مساء 12 أيّار/ مايو، وأنّ القوات العربيّة استردّتها في اليوم التالي”.
واستنادًا إلى الهنديّ، “لم تسترجع القوّات الإسرائيليّة القرية ثانية إلّا في أيار/ مايو 1948 بعد انتهاء العملية يفتاح واحتلال صفد وإزاء خشية القيادة الإسرائيلية من أيّ تقدّم للجيش اللبنانيّ في إصبع الجليل عن طريق المالكيّة، قامت بتكليف قيادة العمليّة يفتاح باستباق القوّات اللبنانية والسيطرة على المالكية وقدس وقلعة شرطة النبي يوشع قبل يوم 15 أيار/ مايو، مع تخريب كلّ الجسور الواقعة عند مداخل فلسطين الشماليّة حتّى الموجودة في عمق الأراضي اللبنانيّة والسوريّة لعرقلة تقدّم أيّة قوّات عربيّة في ذلك الاتّجاه.”
ومن ثمّ أصدر إيغال آلون قائد اللواء يفتاح أوامره يوم 13 أيّار/ مايو إلى دان لانر قائد الكتيبة الأولى بالماخ بالتقدّم واحتلال المالكيّة والمرتفعات المحيطة بها لغلق الطريق في وجه القوّات اللبنانيّة من هذا الاتّجاه، مع عزل قلعة شرطة النبي يوشع. وبعد سير منهك طوال ليلة 14/15 أيّار/ مايو فقدت فيه الكتيبة اتّجاهها، وصلت القوّة قرية قدس فاحتلّتها كما احتلّت المالكية صباح 15 مايو.
وقبل أن تعزز الكتيبة الإسرائيليّة أوضاعها، قامت القوّات اللبنانيّة بقيادة الزعيم (العميد) فؤاد شهاب بهجوم مضادّ ناجح أجبر تلك الكتيبة على الانسحاب من المالكيّة وقدَس إلى المرتفعات المجاورة بعد أن بلغت خسائرها أكثر من 120 قتيلًا وجريحًا.
وإزاء انسحاب كتيبة البالماخ الأولى من المالكيّة قلّصت قيادة العمليّة يفتاح مهام التخريب المخطّطة وكلّفت إحدى سرايا التخريب باحتلال قلعة شرطة النبي يوشع جنوب المالكيّة للاستفادة من وجود كتيبة البالماخ الأولى في المرتفعات المجاورة. وفي ليلة 16-17 أيّار/ مايو نجحت السرية في احتلال الحصن بعد أن مهّد سرب الجليل لذلك الهجوم بإلقاء القنابل الحارقة على القلعة…”.