بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - القتل دون ترخيص
بالنظام - القتل دون ترخيص ‎الجمعة 29 03 2024 21:15 زياد شبيب
بالنظام - القتل دون ترخيص

جنوبيات

بعد ما يقارب الستة أشهر من القتل الجماعي الذي ارتكبته دولة الاحتلال في #غزّة، استطاع مجلس الأمن الدولي إصدار قرار بوقف إطلاق النار. صحيح أنه جاء متأخراً كثيراً لشهور تم فيها قتل وجرح عشرات آلاف الفلسطينيين المدنيين، وأنه جاء مؤقتاً تقتصر مفاعيله على شهر رمضان المبارك، وإن كان متخذاً تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة أي أنه غير مقترن بتدابير رادعة من التي ينص عليها الفصل السابع من الميثاق، إلا أنه يبقى ذا مفاعيل هامة على صعيد الوضع القانوني لدولة الاحتلال وعلاقتها بالشرعية الدولية، وهي دولة حُبِل بها بالإثم ووُلدَت بالخطيئة، كما قال يوماً المطران جورج خضر.
هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كان انتصاراً عسكرياً مدوّياً، لم يُحسن أصحابه استثماره بل فقدوا بعده المبادرة وانتظروا لعدة أسابيع ردّة الفعل الإسرائيلية التي أتت بعد إتمام الاستعدادات العسكرية وتأمين الحشد والتأييد السياسي والديبلوماسي والاستحصال على "رخصة القتل الجماعي" تحت عنوان الحق المزعوم لدولة الاحتلال بالدفاع عن نفسها، التي تقاطر إليها الرؤساء والموفدون الغربيون للتعبير لها عن التعاطف والدعم.
في ذلك الوقت كان نافراً ومرفوضاً، بعيون آلة الإعلام الغربي، كل كلام عاقل من النوع الذي خرج به وزير الخارجية الفرنسية الأسبق دومينيك دو فيلبان الذي اعتبر أن حق الدفاع المشروع لا يعني الحق بالانتقام من دون تمييز... وقد تعرّض بسببه لحملات وجَلْد من وسائل الإعلام الفرنسية. وكان الموقف الرسمي الفرنسي على لسان الرئيس ماكرون الدعوة لتشكيل قوّة دولية على شاكلة ائتلاف محاربة داعش... أما اليوم فمن يُراجع المواقف الرسمية الفرنسية يلاحظ أنها أصبحت أقرب إلى قول دو فيلبان مع فارق الوقت ومرور الأشهر التي كلّفت الفلسطينيين دماراً هائلاً وموتاً حصد أكثر من واحد وثلاثين ألفاً من المدنيين.
تعامل الغرب مع إسرائيل وكأنها دولة شرعية آمنة غير معتدية وغير مغتصبة لأرض لها أهلها، جرى الاعتداء عليها ولها الحق بأن تدافع عن سكانها الآمنين... ولكن هذه المقولة بدأت تفقد الحجج الداعمة لها وينبغي أن يتناقص مؤيّدوها بالتزامن مع المحاكمة الجارية أمام محكمة العدل الدولية. وفي هذا السياق القانوني ينبغي إثارة مسألة فقدان عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة شرعيتها، لأن قبول تلك العضوية عندما حصل في العام 1949 بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 273 جاء مبنياً على موافقتها على قرار التقسيم، أي على إقامة دولة فلسطينية.
هذا القتل الجماعي المستمر اليوم بعد صدور القرار الأخير بوقف النار، قد أصبح قتلاً من دون رخصة. هذا هو الفرق بين الأمس واليوم، أما الزخم الداخلي الإسرائلي المُطالب بالحرب والانتقام والمؤيد لخوضها على جبهة غزّة وجبهة لبنان أيضاً، فهو ما يزال كبيراً وكافياً لاستمرار الحكومة القائمة على القيام بما تُحسِن القيام به وهو القتل الجماعي. أي أن حكومة نتنياهو التي كانت تحظى برخصة خارجيّة بالقتل ربما انتهى مفعولها بصدور قرار مجلس الأمن، ما تزال تحمل رخصة داخليّة بالقتل ولن تتوقّف عن استعمالها.
هذا بحدّ ذاته ما جعل وتيرة اعتداءاتها تتصاعد على لبنان. وللتذكير أنه في الأسبوع الأول من عملية طوفان الأقصى حين كان إجماعٌ بأن إسرائيل عاجزة عن فتح جبهة مع لبنان، كُتِب في هذه الزاوية بأن اشتعال الجبهة في الجنوب مسألة وقت وسوف تحتاج إسرائيل إلى معركة منضبطة شمالًا لتشتّت الانتباه عن ارتكاباتها في غزّة. وهي بالفعل حاولت ذلك مراراً ولكن الطرف الممسك بالقرار هنا لم يجارِها حتى الآن رغم الخسائر الكبيرة.

المصدر : النهار