لبنانيات >أخبار لبنانية
مشهدية الانتصار رهن الحسابات السياسية - بقلم وفاء ناصر
الثلاثاء 25 05 2021 19:38جنوبيات
قد يدخل إلى أذهان البعض أن الإنتصار محكوم بأرقام على صفحات الأجندات السياسية، وأن مرحلة من جنون الخسارة التي تتكبدها الاوطان لا يجوز تكرارها. غير أن الواقع مغاير تماما لهذه الترهات، فكلما عبقت الثرى بدماء الشهداء اشتد عضدها وتحوّلت الى مقبرة للغزاة. بيد ان التحرير العسكري لا بد أن يترجم في الاروقة السياسية انجازات تشريعية تبلوَر مجتمعيا ليتحقق مغزاه.
شتان بين أيار الذل وأيار العز
ذات ايار، خرّجت إلى العلن اجتماعات مخزية، أقدم المشاركون فيها على تنازلات لا ترقى إلى مستوى العمل السياسي الوطني، اتفاق الذل والعار في السابع عشر منه وكانت مندرجاته تولي أهمية تأمين الحماية للكيان الغاصب والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، ناهيك عن إيصال رئيس جمهورية غير معادٍ للكيان المحتل.
غير ان هذا التاريخ المشؤوم أردته الهبة الوطنية الشعبية والسياسية على وقع العمليات العسكرية قتيلا.
فدفن هذا التاريخ واستبدل بأيار النصر.
لم يدرك من راهن على خلق حالة جديدة من الإستقلال الذاتي في شريط يعتبر بمثابة خط دفاع أمامي لكيان محتل أن أهل الأرض ارتقوا إلى مستوى السيادة الكاملة وإعادة الهيبة التي فقدها الكثيرون يوم كانت القرارات السياسية ومشهدية الداخل اللبناني تحبك قسراً تحت مفاعيل القوة المفرطة للإحتلال. وتاريخ نصر أيار 2000 الموقّع بتضحيات المجاهدين اللبنانيين قفزت دلالته فوق السيادة المنقوصة لأيار من نوع آخر حين كانت بعض أقلام الساسة توقّع على تنازلات فيها من فصول الهزيمة ما لا يتناسب مع لغة المقاومة والتحرير، وأرسى قاعدة الردع العسكري تحت شعار زمن الهزائم قد ولى.
مكاسب ايار
انسحبت مفاعيل أيار النصر ليس فقط على لغة الإرادة المنقوصة، بل تخطتها إلى قوة وثبات المنظومة السياسية اللبنانية. فالانتخابات النيابية حينها استحضرت العالم بأكمله وبات لبنان المقاوم الحر صاحب القرار على طاولة التفاوض العلني، كما أضحى في المنظور الكلي العين الثاقبة بعدما كان مجرد نقطة على خارطة التجاذبات السياسية وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية.
لم يكتفِ أيار بمكاسبه السياسية، بل زاد عليه استرجاع الأسرى الذين كانوا مجرد أرقام في دولة المحتل ومجرد إشارات منسية في أذهان الساسة يومها. أعادهم قوافل شهداء ولهفة لقاء الأحياء يوم تعانقت الأيادي عبر معابر كانت عصية على وطئها في زمن الإحتلال.
كسر قضبان غوانتنامو الخيام وأعاد للحرية معناها يوم كانت مجرد شعار يرمى به في كواليس السياسة.
أيار النصر أعاد السيادة التي كانت مجتزأة، أرجع مساحة الوطن إلى الخارطة الجغرافية وأسقط لغة التطبيع عن سكان قرى كانوا قاب قوسين أو أدنى من نسيان هويتهم اللبنانية.
انسحبت المكاسب جرأة على مقاومة المحتل وعزيمة لإستكمال تحرير كل شبر من الأراضي اللبنانية المغتصبة...
عيد المقاومة والتحرير في ذكراه ال21
ككل عام تتجدد نكهة العيد وتستعيد الذاكرة مشاهد مرّ عليها الزمن دون أن ينسينا طعمها. وتجربة تداخل الأحاسيس من امتزاج لآلئ الفرح والحزن الى تشابك الأيادي تضامنا تارة وفرحا اذعانا بتلبية نداء حلقات الدبكة معطوفة على ابتسامة يغتالها البكاء على حين غرة... تعيد كرتها دون كلل. بيد أن حسرة كبيرة في هذه الذكرى تنغص فرحتنا.
الواقع المرير الذي نعيشه ظلما لا يليق بشعب تعالى على جراحه واتخذ من دمار الاعتداءات المتكررة منطلقا للطموح. ما فُرض علينا قسرا بتراخٍ نيابي وكيدية سياسية وما رافقهما من تجييش للعصبية المذهبية والطائفية السياسية لا يليق بشعب انتزع حريته وسيادته الوطنية انتزاعا.
أما عن حقوق المواطنين في العيش بكرامة وحق المودعين باسترجاع اموالهم يسبقها حق لبنان بتعويض عن كل اعتداء مادي ومعنوي لحقه وطال اسراه وجرحاه من كيان العدو... فحبذا لو تُجترح المعجزات.
في توصيف المشهدية لا يمكن الرهان إلا على ثلاثة عناصر أساسية يكمن النصر في جلبابها.
القامات الوطنية التي لا تختزل إنجازاتها بشهر محدد، قامات تستأثر بالدفاع عن مقدرات الأمة وتجاهر بسيادتها الحقيقية وتسعى بكل جوارحها لتحقيق حياة كريمة للمواطنين، تدعمها في برنامجها وسياستها البيئة الحاضنة. يضاف إليهما اعتماد استراتيجية دفاعية حيّة تُعيد ما تبقى من الأرض التي لا تزال ترزح تحت نير الإحتلال، استراتيجية ذهبية تعكس تكامل ثالوث الشعب والمؤسسات العسكرية والارادة الوطنية بالمقاومة، لا استراتيجية صنمية تحاكي قوة لبنان في ضعفه.