بأقلامهم >بأقلامهم
لو بقي رفيق الحريري بيننا..
جنوبيات
تحل ذكرى إستشهاد الرئيس رفيق الحريري في أجواء من التوجس والإرباك في أوساط تيار المستقبل، بعد قرار الحريري الإبن تعليق نشاطه وتياره العمل السياسي، وعدم الخوض في الإنتخابات النيابية المقبلة، بخلاف ما كان عليه الوضع في الأعوام السابقة، حيث كان تيار الحريري يتقدم الفريق السيادي في البلد، ويضم أكبر كتلة نيابية، عابرة للطوائف ولمختلف المناطق، ويخوض المعارك السياسية لدعم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سعياً لكشف الحقيقة في جريمة العصر، فضلاً عن النفوذ الذي كان يتمتع به في مواقع السلطة والقرار الوطني.
لا ضرورة للإستمرار في عمليات جلد النفس، والخوض في وحول السياسة المحلية، والبحث في أسباب تراجع شعبية سعد الحريري، وإنهيار تيار المستقبل، فتراكم الأخطاء، والإمعان في الرهان على الخيارات الخاطئة، في الإستراتيجية والتكتيك، لا يحتاجان إلى مزيد من الشرح والتبرير.
لبنان في زمن الإنهيارات المتوالية أحوج ما يكون إلى رفيق الحريري النهج والبرنامج والإنجازات، إلى جانب الرؤية في إدارة الحكم، خاصة في فترات الأزمات، والمراحل الصعبة، حيث كان يُشغّل محركات طائرته ويجوب العالم، شرقاً وغرباً، لطرق أبواب العواصم، واختراق مجالس الرؤساء، للحصول على المساعدات اللازمة لإعمار ما كانت تدمره الاعتداءات الإسرائيلية، أو للحصول على تمويل للمشاريع الإنمائية.
كان يخوض المعارك الداخلية على أكثر من جبهة سياسية، ويعرف متى يتراجع خطوة حتى يتقدم ثلاث خطوات، دون أن يتخلى عن ثوابته الوطنية. وكان يبدو دائما وكأنه في سباق مع قدره، حيث كان يستعجل تنفيذ المشاريع الإنمائية، ويُسرّع تحقيق مخططات البنية التحتية، في فترات زمنية قياسية.
من المؤكد أن لبنان ما كان ليصل إلى هذا المستوى من التردي والإنهيار، وتسقط الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تحت خط الفقر وصولاً إلى جهنم، لو كان رفيق الحريري بقي موجوداً بيننا. ولكن الأكيد الأكيد لو أن الرئيس سعد الحريري حافظ على نهج والده الشهيد في التمسك بالثوابت العربية وبالخيارات الوطنية، وعدم تقديم جوائز مجانية لخصومه السياسيين، من خلال تنازلات غير المبررة، لما كان البلد يعيش في عزلته العربية والدولية الراهنة، ولما كان الشعب اللبناني يعاني من مرارة الإفلاس، ويكابد الفقر والعوز والحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة.
أما ما حصل قد حصل، فلا بد من التركيز على أهمية إستمرار الحريرية السياسية، كما أرسى قواعدها الرئيس الشهيد، بكل ما حملته من مفاهيم وطنية، وعلاقات عربية نقية.
على الصعيد الوطني لم يكتفِ بحماية إتفاق الطائف وحسب، بل ذهب بعيداً في تطمين الشريك المسيحي عندما أعلن «وقف العد»، والحرص على الدفاع عن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، في دولة ديموقراطية، متعددة الألوان الطائفية والمناطقية، وقطع دابر الأطراف التي تحاول إفساد صيغة العيش الواحد في ظل تعددية سياسية ودينية ، عبر تدخلات خارجية تحاول دائماً التلاعب بالوضع الداخلي الهش.
ليس صحيحاً القول أن الزعامة الحريرية قامت على المال فقط. فالأعمال الإنسانية التي رعاها رفيق الحريري في حياته، تجاوزت حدوده منطقته السياسية ، وشملت العديد من المناطق والعائلات التي تصوّت خارج دائرته الإنتخابية، والبعثات الطلابية إلى أكبر الجامعات العالمية كانت تضم طلاباً من كل الطوائف ومن مختلف المناطق ومن معظم الألوان السياسية والحزبية، بمن فيهم من كانوا يعارضونه في الداخل، بل ومن خصومه السياسيين الذين جهروا بمعارضتهم له وهو في ذروة نفوذه في السلطة.
كان رفيق الحريري يردد دوماً: تستطيع بمالك أن تشتري أكبر المؤسسات، ولكنك لا تستطيع بالمال أن تحظى بمحبة عامل واحد.
في الظروف الحرجة التي يعيشها تيار المستقبل والساحة السنّية، تتضاعف أهمية الوقفة أمام دروس وعِبَر تجربة الرئيس الشهيد، لتلمس طريق الخروج من دوامة القلق والتوجس المهيمنة على الشارع السنّي منذ قترة ليست قصيرة، والتي زادت تفاقماً بعد قرار رئيس تيار المستقبل تعليق عمله السياسي عشية الإنتخابات النيابية.
لعل التحدي الأكبر سيكون بمواجهة بهاء الحريري الذي أعلن عزمه على متابعة مسيرة والده الشهيد، والحفاظ على نهجه في العمل الإنمائي والممارسة السياسية، دون أن يخوض بالضرورة في العمل السياسي، وفق النمط التقليدي في لبنان، والذي أثبت فشله الذريع عبر إسقاط البلد في مسلسل من الأزمات لا نهاية له.
طريق النجل الأكبر للرئيس الشهيد لن تكون مفروشة بالورود والرياحين، والمسألة دونها عقبات وصعوبات جمّة، وقد تكون هذه المهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، خاصة إذا توفرت لها رؤية إستراتيجية، وبرنامج تنفيذي يجمع بين الواقعية والطموح، ويستلهم الدروس والعبر من تجربة الوالد الشهيد.
وسلام على أبو بهاء يوم استُشهد.. ويوم يُبعث حياً.