بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - ثورة ثقافية (2)
جنوبيات
الدستور كفل حرية إبداء الرأي قولاً وكتابةً وحرية الطباعة، وقد دافعت عن هذه الحرية أقلام وحناجر على مدى عقود وذهب ضحيتها شهداء كثر. واليوم لا تزال الحرية في خطر لأن الصراع في #لبنان وعليه يحتمل إلغاء دوره الأول كموئل للحريات، علماً أنه قد يتسع لأكثر من دور ووظيفة وحتى لأكثر من منصّة، فيمكنه مثلاً أن يكون منصّة للحريات إلى جانب منصات الصواريخ، شرط أن لا توجَّه هذه صوب تلك لا بل أن تحتمل وتحترم وجودها وتصونها طالما بقيت، لأنها هي، الحرية، الحقيقة الثابتة والدائمة وسواها لا يدوم.
إذا كان من راغب في تحويل لبنان إلى منصة للصواريخ على حساب الحريات فلا يمكن للمدافعين عن الحرية في لبنان أو المشتكين ممّن قد ينتهكها أو يقمعها، أن يواجهوا هذه المخاوف بأفعال أو مواقف كالتي يشتكون منها، أي بأن يمنعوا عن الآخرين الوجود في حيّز حرية التعبير الذي يحق لهم به، وهذا مهما بلغ الاختلاف في المفاهيم. فالإلغاء لا يُجبه بمثله بل بمزيد من الحرية وقبول الآخر المختلف.
بعد غياب طال بسبب الجائحة والأزمة الاقتصادية، عاد معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت الذي ينظمه النادي الثقافي العربي، وجرى تنظيم نسخته الثالثة والستين في واجهة بيروت البحرية. كثيرة من دور النشر العربية التي اعتادت المشاركة لم تحضر، وهو أمر قد يُنسب إلى المواقف الأخيرة لعدد من الدول العربية تجاه لبنان. وبسبب خلاف مع نقابة الناشرين حول المبدأ أو التوقيت أو كليهما، غاب عدد من دور النشر المحلية وحضر البعض الآخر. وفي المحصّلة بلغت المشاركة هذه السنة ثلث العدد المعتاد مقارنةً مع العام 2019، الأمر الذي انعكس على المشهد الذي ظهر به المعرض والذي بدا أقلّ تنوعاً من ذي قبل.
رغم ذلك شكّل حصول المعرض بذاته بقعة مضيئة في زمن العتمة الشاملة التي نعيش. ولعل أكثر ما يُفرح أن ترى الزائرين يُقبلون على شراء الكتب إقبالاً قد لا يتناسب مع القدرة الشرائية الحالية التي بلغت الحضيض. طبعاً العديد من دور النشر المشاركة اعتمدت أسعاراً تراعي الأوضاع الصعبة، ولكن يبقى أمراً يجدر التوقف عنده ذلك الإقبال على الكتاب في زمن انعدام القدرة على تأمين الخبز.
في المعرض توجد صورة عملاق حقيقي، عملاق الحرية والثقافة غسان تويني، تشمخ فوق رفوف "دار النهار" التي عادت الى الحياة وشاركت في المعرض. صورةٌ أزهرت حولها كتب بعناوين ومضامين لا تموت، وأزهَرَ حولها قرّاء غالبيتهم من أعمار تبشّر بالامل بمستقبل لبنان الثقافي الحقيقي. هذه الصورة وحدها كافية للقول بأن لبنان الحريات والثقافة الحقيقية المتنوعة التي تشبه تاريخه الحديث ما يزال حياً، ولبنان الحريات والثقافة هو الذي سيحدّد الطريق الذي على لبنان السياسي أن يسلكه للعبور إلى الخلاص.
في العام 2018 كانت "النهار" تفتش عن السبيل لخلاص لبنان كما هو دأبها دوماً، ونشرت عدداً خاصاً بعنوان "مانيفست لخلاص لبنان". من كتّاب ذلك العدد "إيتل عدنان" التي اقترحت "خطة طريق ثقافية" ما تزال صالحة وأفكارها حيّة كصاحبتها التي رحلت وازداد الطلب على كتبها. وفي العدد أيضاً "عقل العويط" الذي قال بأن لبنان الثقافي هو مفتاح الحلّ للبنان السياسي. وهو على صواب. وسبب سقوط لبنان السياسي، برأيه، هو أن هذا أتاح تدمير الحصانة الثقافية التي كان يتمتع بها لبنان. ودعا إلى فرملة الانهيار الوطني، بإعلان "الثورة الثقافية"، "على طريقة العودة إلى الدستور اللبناني نفسه من خلال وقف الانتهاكات التي يتعرض لها لبنان المدني العلماني الديموقراطي."
نجدّد اليوم هذه الدعوة ونعلن انطلاق الثورة الثقافية، في "دار النهار" ومنها، ومن كل فكر ومنبر حرّ ومبدع.