بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - إنتخابات غير ميثاقية
جنوبيات
سبق أن تم إيضاح المفهوم الصحيح للفقرة "ي" من مقدمة الدستور التي تقول بأنه "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". فهذه الفقرة بَنَت عليها الجماعة الحاكمة قاعدة غريبة عن معناها الحقيقي وسمّتها "الميثاقية"، ومفادها أنه عندما يغيب "مكوّن" من المكونات عن المشاركة في عمل أو تكوين أو نصاب سلطة أو مؤسسة دستورية ما، فإنه يترتب على ذلك فقدان "الميثاقية". ودرجت العادة، وهي عادة غريبة عمّا قصده الدستور، على مسارعة "المكونات" الأخرى إلى وقف العمل أو فض الاجتماع في المؤسسة المعنية إلى حين تأمين "الميثاقية" واسترضاء ذلك المكوّن المعتكِف أو المقاطِع.
"المكوّنات"، وفق قاموس السياسة اللبنانية، هي القوى السياسية الأكبر حجماً من حيث النفوذ والشراكة في السلطة، والتي على رأسها أحد قادة الصف الأول كما يسمونه، والذي تمكن منفرداً أو بالشراكة مع غيره، من احتكار أو محاولة احتكار تمثيل الطائفة الدينية التي ينتمي إليها والسيطرة على سائر أو معظم المقاعد والحقائب والوظائف التي يخصصها نظام المحاصصة للمواطنين المنتمين إلى طائفته.
لا تتمتع جميع الطوائف بهذه الميزات، ومن منها ليس عنده زعيم أو أكثر يحتكرون تمثيل أبنائها ويُصنّفون من قادة الصفّ الأول، لا ترتقي إلى فئة "المكوّنات" لأنها لا تملك القدرة أو الوسيلة للتعطيل لأن ممثليها في مجلسي النواب والوزراء يجري اختيارهم من قبل قادة الأحزاب السياسية الطائفية الأخرى، فالأرثوذكسي عليه أن يكون "مارونياً" في السياسة ليرتقي إلى المنصب النيابي كما قال أحد القادة الموارنة البارزين. وفي واقع الأمر يقتصر وصف "المكونات" على الطوائف المارونية والسنية والشيعية وتضاف إليها الطائفة الدرزية.
منذ مدة طرحنا السؤال حول ما إذا كان يترتب على انسحاب احدهم من اللعبة أو مقاطعته للانتخابات، غياب الميثاقية، وأجبنا بالنفي بالاستناد إلى المفهوم الصحيح للميثاقية التي شرحها منذ العام ١٩٩٠ العلامة ادمون رباط شرحاً صحيحاً. فوفق الفقرة (ي) من الدستور تُعتبر أية سلطة غير شرعية إذا تصرف من يشغلها بصورة طائفية أو تسبب بانقسامات طائفية. فالمشكلة اذاً ليست في انسحاب احدهم بل في عدم انسحاب جميعهم.
الفراغ الناجم عن غياب أو إزاحة القوى السياسية الحاكمة، كما تمناه اللبنانيون المنتفضون، كان يفترض ملؤه من قوى وطنية جديدة غير طائفية انتظر اللبنانيون بروزها بعد ثورة خريف العام 2019 لكن عوامل عدة حالت دون ذلك أهمها أن القوى الحاكمة تمكنت من دفع مندوبيها المقنّعين إلى الصدارة وقد تمكنوا من بث التفرقة وروح المنافسة الفردية.
المفهوم الصحيح للميثاقية غير مطبق، والجماعة الحاكمة تعتمد مفهومها الخاص ولكنها اليوم لا تحترمه في ما خص الانتخابات المقبلة، فلا بدّ أن نعيد اليوم طرح السؤال نفسه مع استمرار ابتعاد تيار المستقبل عن السياسة وعزوفه عن المشاركة في الانتخابات والنتائج التي ترتبت حتى الآن على هذا الانسحاب وارتفاع منسوب القناعة لدى المواطنين من أبناء الطائفة السنية بعدم المشاركة ترشيحاً أو اقتراعاً.
عندما كانت تغيب كتلة المستقبل أو أية كتلة من حجمها عن مجلس النواب لم تكن الجلسات تنعقد بحجة غياب الميثاقية، فكيف بغيابها عن الانتخابات التي تكوّن مجلس النواب؟ الانتخابات المقبلة ليست "ميثاقية" وفق المفهوم السائد والحل، في ظل اقتراب الموعد، هو بتأجيلها لإتاحة المجال لعودة العازفين عن عزوفهم أو لتكوين قوى سياسية جديدة أو بروز مرشحين جدد يستطيعون إقناع أبناء هذه الطائفة "المكوّن" على المشاركة بفعالية تزيل عن الانتخابات ما يمكن أن يُنسب إليها من عيوب.