بأقلامهم >بأقلامهم
"ما الفائدة من الكلام"؟!
"ما الفائدة من الكلام"؟! ‎الجمعة 28 03 2025 19:20 القاضي م جمال الحلو
"ما الفائدة من الكلام"؟!

جنوبيات

في بلادِ الواقِ واقِ، وتحديدًا في أحدِ معابدِها جلسَ العالمُ الفريدُ وحوله ألفُ مريدٍ (وهم بين يديه كالعبيدِ لا يعرف أحدُهم ماذا يريدُ)، وقال لهم:
أيّها المريدون المؤمنون، هل تعلمون ما سأقولُه لكم؟ فأجابَه السّامعون:
كلّا لا ندري. عندها قالَ الشّيخُ الفريدُ:
ما دمتم لا تعلمون، "فما الفائدةُ من الكلامِ"؟ ونزل عن المنبرِ وذهبَ يتمخترُ كالأسدِ الأبجرِ وكأنّه في قوتِه مثل عنترِ.

وفي يومٍ آخر، حضرَ الإمامُ الفريدُ إلى المعبدِ لإلقاءِ الخطبةِ النّصوحِ (التي تردُّ الرّوحَ)، فطرحَ عليهم السّؤالَ نفسَه:
هل تعلمون ما سأقولُه لكم؟ فأجابوا بصوتِ رجلٍ واحدٍ:
 نعم نعلمُ ما تريدُ التحدّثَ فيه!
فقالَ:
 ما دمتم تعلمون ما سأقولُه لكم، فما الفائدةُ من التكلّمِ؟
 حارَ الجمعُ في أمرِهم، فاتّفقوا فيما بينَهم أن تكونَ الإجابةُ في المرّةِ القادمةِ متناقضةً. قسمٌ يجيبُ بنعم "نعلمُ"، وقسمٌ يجيبُ بلا "لا نعلم".

ولمّا كانت الخطبةُ الثّالثةُ (ثالثةُ الأثافيّ)، حضرَ العلّامةُ الفريدُ صاحبُ الصّرحِ السّعيدِ وألقى السّؤالَ نفسَه. اختلفتِ الأصواتُ، قسمٌ أجابَ بنعم، وقسمٌ آخر أجابَ بلا. عندها قالَ فريدُ عصرِه وزمانِه المؤيّدُ بالأصواتِ:
 حسنًا جدًّا من يعلمُ يعلّمُ من لا يعلمُ.
إنّها حالُ الكثيرين من أولي الأمرِ الّذين يحكمون بذهنيّةِ الهُمايون، وبتصرّفاتٍ فرعونيّةٍ، وما مِن رادعٍ يردعُهم.

وفي وطنِنا الغالي لبنانَ، وسط صمتِ المسؤولين، وتعجرفِ الظالمين، وفي همساتِ السّياسة، ومرتكزات السّاسة، وتصرّفاتِ الحكّامِ، وغدرِ اللّئامِ ما بين حامٍ وجامٍ، ويافثٍ وسام، وتحت ستارِ الإعلامِ والغايات، وخفقانِ الأعلامِ والرّايات، تصحُّ المقولةُ الآتيةُ:
"إن كنت تدري فتلك مصيبةٌ، وإن كنت لا تدري فالمصيبةُ أعظمُ"!

المصدر : جنوبيات