بأقلامهم >بأقلامهم
صراع مفاهيم لا مجرد خلاف سياسي مع جماعة الإخوان المسلمين...!



جنوبيات
لم يكن الصدام مع جماعة الإخوان المسلمين يومًا مجرّد خلاف على السلطة أو إدارة الدولة بل هو صراع جذري أعمق، يتجاوز المواقف السياسية إلى تضاد مفاهيمي بين مشروع دولة وطنية حديثة، وبين تنظيم عابر للوطن، لا يعترف بالحدود، ولا بالمواطنة، ولا بالدولة بوصفها عقدًا جامعًا.
لقد كشفت التحركات الأخيرة في مصر والأردن والمدعومة بصمت من قبل دول عربية اخرى عن قرار استراتيجي بإغلاق الثغرات التي قد تُستخدم لإعادة إنتاج الجماعة كفاعل سياسي أو شعبي.
هذا القرار لم يأتِ فقط ردًا على خطر أمني، بل على خلل فلسفي عميق في بنية الجماعة وفكرها حول مفاهيم اساسية تمس امن واستقرار الدول والمجتمعات منها وبشكل اساسي ما يلي:
اولا الفرد: بين التكوين الحر والتجنيد الحزبي...
في الدولة الحديثة، يُفهم الفرد كمواطن حرّ، له حقوق وعليه واجبات، يُنتج ذاته وينخرط في الشأن العام عبر مؤسسات تمثيلية، أما في فكر الإخوان، فالفرد ليس إلا "عنصرًا" يتم تشكيله ضمن هرم طاعة مغلق، يُسلب فيه منطق المبادرة لصالح الانضباط التنظيمي.
بهذا المعنى، لا مكان للعقل الناقد، ولا للحرية الشخصية، بل خضوع مطلق لتوجيه الجماعة، تحت شعارات "السمع والطاعة" و"الولاء والبراء".
ثانيا المجتمع: حقل استقطاب لا مجال للتعدد...
تنظر الجماعة إلى المجتمع لا باعتباره بيئة حيوية قابلة للنقاش والتنوع، بل كساحة قابلة للضبط والتجنيد، السيطرة على النقابات، الجمعيات، المساجد، والمؤسسات التعليمية، ليست لخدمة المجتمع، بل لتسخيره في مشروع الجماعة.
لقد عانى الأردن من هذه الظاهرة لعقود، حيث تسللت الجماعة إلى مفاصل المجتمع المدني، قبل أن يُعاد ضبط العلاقة مؤخرًا عبر خطوات أمنية وإدارية متوازنة، وفي فلسطين / قطاع غزة و مصر، لم يختلف الأمر كثيرًا، بل اتّضح أن المشروع الإخواني لا يتحمل الشراكة، ويعمل وفق مبدأ "التمكين أولًا، ثم الإقصاء لاحقًا".
ثالثا الوطن: غائب في حضرة "الأمة"...
المفهوم الوطني عند الإخوان مشوّه، فالوطن، بالنسبة لهم، مرحلة عابرة نحو الخلافة، الولاء للأرض والتاريخ والسيادة يصبح ثانويًا إن تعارض مع مشروع الجماعة.
ولهذا لم يكن غريبًا أن يغيب صوت الجماعة أو يتواطأ ضمنيًا حين طُرحت مشاريع توطين الفلسطينيين في سيناء أو الأردن، ما دام ذلك لا يصطدم مع سردية "التمكين الإسلامي" الشاملة.
رابعا الدولة: وسيلة لا غاية...
الدولة في فكر الإخوان، ليست كيانًا سياديًا محكومًا بعقد اجتماعي، بل مجرّد وسيلة للسلطة، حين حكمت الجماعة في مصر، لم تبنِ دولة مؤسسات، بل سعت لـ"أخونة" المؤسسات، وحين فشلت، لجأت إلى التحريض والتكفير.
وفي الأردن، تحوّلت بعض الأذرع الإخوانية إلى أدوات ضغط خارجة عن العمل السياسي المنظَّم، مستخدمة الشارع والمنابر الدينية والنقابات كسلاح ضد الدولة، لا كجسور تفاهم معها.
فلسطين و اختبار الإخوان في السلطة....!
التجربة الفلسطينية تؤكد مجددًا طبيعة هذا الصراع المفاهيمي، فحين وصلت حركة حماس، الذراع الإخواني في فلسطين، إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، لم تُدِر الدولة، بل أقامت سلطتها الخاصة، وبدلًا من بناء شراكة مع السلطة الوطنية، اختارت الصدام، والانقسام، والهيمنة الأمنية.
غزة اليوم، ليست نموذج مقاومة فاعلة كما تروّج الجماعة، بل ساحة مغلقة تُدار بمنطق التنظيم لا بمنطق الدولة، وتُخضع حياة الناس لولاءات حزبية، لا لقواعد المواطنة والشفافية والمؤسسات.
ولفهم أعمق للموضوع نطرح جملة من الأسئلة:
لماذا يُغلق الباب في وجه الجماعة اليوم؟
و السؤال ليس: لماذا تُقصى الجماعة؟
بل: هل يمكن لدولة وطنية أن تتعايش مع تنظيم لا يعترف بها؟
إن الإخوان لا يُشكّلون "حزب معارضة"، بل بنية موازية، تسعى لهدم مفهوم الدولة من الداخل، ثم إعادة بنائه على صورة التنظيم.
من هنا، فإن ما جرى في مصر والأردن وغيرها من الدول وان جرى بصمت ، لا يمكن اعتباره قمعًا سياسيًا، بل قرارًا سياديًا بإغلاق الباب أمام مشروع بديل يهدد بنية الدولة والمجتمع والوطن معًا.
خلاصة القول، إن صراع الأنظمة العربية مع جماعة الإخوان المسلمين لم يكن أبدًا معارضة سياسية تقليدية، بل صراع مفاهيم بين مشروعين متصادمين، مشروع الدولة الوطنية الحديثة، القائمة على المواطنة والسيادة والتعدد، ومشروع الجماعة، الذي لا يعترف إلا بالولاء العمودي، والاصطفاف المغلق، والهوية الجامعة فوق الوطنية.
لقد آن الأوان للفصل الواضح:
لا مكان لمشروع لا يعترف بالدولة… داخل دولة تسعى لبناء وتطوير واستقرار وازدهار و تثبيت ذاتها.