مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
نجلاء أبو جهجه صورة أقوى من الاحتلال!
جنوبيات
تُغمض الزميلة نجلاء ذياب أبو جهجه عينيها، على صورة عدوان الاحتلال الإسرائيلي المُتواصل ضد أبناء الشعبين اللبناني والفلسطيني، تماماً كما التقطت إحدى أشهر الصور لهمجية الاحتلال، التي ارتكبها ضد سيارة إسعاف المنصوري، بتاريخ 13 نيسان/إبريل 1996، خلال عملية «عناقيد الغضب».
تلك الصورة، التي هزّت ضمير العالم، وهو يُشاهد رأس الطفلة حنين جحا، ابنة السنوات الثلاثة، التي أطلّت من نافذة سيارة الإسعاف، التي كان يقودها والدها عباس جحا، ومعه أفراد أسرته وعائلته.
ثبتت الزميلة نجلاء، عدسة كاميرتها، لتُوثّق تلك اللحظة، التي أطلقت فيها طائرة «الأباتشي»، صاروخاً باتجاه السيارة، وكان نتيجة ذلك هزيمة الاحتلال الإسرائيلي وتغيّر الرأي العام، على الرغم من مُحاولاته تشويه سير المعركة، قبل أن يتبعها بعده بأيام، بمجزرة قانا (18 منه)، في مركز قوات الطوارئ الدولية، ما أدّى إلى سقوط مائة وشهيدين من المدنيين، لم يشفع لهم رفع علم الأُمم المُتحدة!
نجلاء أبو جهجه، ابنة بلدة حانين الجنوبية، تفتّح وعيها باكراً في منزل والدها ذياب أبو جهجه مع أفراد العائلة المُناضلة على القضايا الوطنية والقومية وحب فلسطين.
عايشت في طفولتها تلك اللحظات، التي ارتكب فيها الاحتلال وأدواته، مجزرة حانين، بتاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر 1976، لتكون أولى البلدات المُهدّمة، وما تبعها من إقامة شريط شائك، مُتعامل مع الاحتلال.
وقد أُعيد بناء البلدة، بعد التحرير في 25 أيار/مايو 2000، بمُبادرة من دولة الكويت.
تعرّفتُ إلى نجلاء، يوم كانت تدرس في «معهد العلوم الاجتماعية» في الجامعة اللبنانية - صيدا، كناشطة طلابية، وكانت أُمنيتها دراسة الإعلام.
حققنا لها الأُمنية، في «اللـواء»، بدخول المُعترك الإعلامي، بعد قرار «عميد اللـواء» الراحل الأستاذ عبد الغني سلام ورئيس التحرير الأستاذ صلاح سلام - أطال لله بعمره - بإطلاق «لواء صيدا والجنوب»، بتاريخ 8 أيار/مايو 1991، وفتح المجال أمام عدد من الشبان والشابات المُندفعين للعمل الإعلامي، وبينهم نجلاء، التي كانت تقطن في بلدة حانين الثانية، حيث أقامها أهل البلدة في منطقة بين وادي جيلو والبازورية - قضاء صور.
انطلقت في مهنة البحث عن المتاعب، ساعية وراء خبر وصورة، خاصة بنقل الاعتداءات الإسرائيلية المُتكررة على المناطق المُتاخمة للشريط المُحتل، وعمليات المُقاومة البطولية.
كانت تتنقل بين سيارة و«بيك أب»، ينقل نازحين، اضطروا لترك منازلهم تحت وابل القصف الإسرائيلي، وتُسارع إلى الاتصال، لتأخير موعد انطلاق السيارة، التي كانت ستنقل المادة الإعلامية والفيلم المُصور إلى صيدا، ومنها إلى مكاتب الجريدة في بيروت.
لم تهب نجلاء المخاطر في يوم من الأيام، واستطاعت أن تُحقق نصراً ضد العدو الإسرائيلي، وتُغيّر مجرى الأحداث، وتُساهم بتوضيح الحقيقة أمام الرأي العام، في مُواجهة تشويه وزيف ادّعاءات الاحتلال.
تنقّلت بالعمل الإعلامي مع مُؤسسات دولية، وفي طليعتها وكالة «رويترز»، وفازت بجوائز عالمية، وأضحت نموذجاً في العمل الإعلامي.
شكّل المجال الإعلامي حافزاً لها لتنطلق بتفجير طاقاتها الثقافية، الذي توّجته بأكثر من 13 إصدار، تناولت فيه مواضيع إعلامية وصحافية، وعبّرت عن هواجسها، فضلاً عن تجسيد مسيرتها في أفلام قصيرة عدة.
ارتبطت في «اللـواء» بزميلها في مهنة البحث عن المتاعب، الرسام الكاريكاتوري المُبدع عبد الحليم حمود، وتشاركا في تأسيس «جمعية حواس»، وحاكت أحلامها بفكرة الترشيح للانتخابات النيابية عن أحد المقاعد الشيعية الثلاثة في قضاء بنت جبيل، في العام 2018.
استطاعت نجلاء مُقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والصمود لفترة من الزمن بمُواجهة «كورونا»، الذي تمكّن بفعل مُضاعفات أثّرت على وضعها الصحي، قبل أن تغفو، وكلها ألم على ما يجري من عدوان همجي إسرائيلي ضد لبنان وفلسطين.
ترحل الزميلة نجلاء أبو جهجه، تاركة ألم الخسارة، لكن، عطاؤها المُتوّج بتجارب، سيبقى بُوصلة أمام الأجيال، بأن الصورة والكلمة شريكان أساسيان في معركة مُقاومة المُحتل الغاصب، وتستحق الألقاب التي أُطلقت عليها، وبينها: «فتاة الخطر»، «نجلاء كاتيوشا» و«فيروز الكاميرا» وغيرها.
تغمد لله الراحلة بواسع رحمته، وأسكنها فسيح جنانه، وألهم زوجها وعائلتها الصبر والسلوان.