لبنانيات >أخبار لبنانية
مبادرة "بنك الاسكان" ساهمت بحفز الشهية: مصارف لبنان تستأنف التمويل ... بالليرة
الأحد 19 06 2022 11:05جنوبيات
تتحضر مجموعة من البنوك اللبنانية، ولا سيما الكبيرة وبينها "عودة"، "بلوم"، "بيروت"، "الاعتماد اللبناني"، "فرست ناشونال" وسواها، إلى استئناف برامج التسليف بالتجزئة الموجهة خصيصا للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة، فيما يترقب المستهلكون والاسواق حزمة "انعاش" قروض شراء الشقق وترميم المنازل والطاقة الشمسية التي سيدشنها "بنك الاسكان" عبر بوابته الالكترونية مطلع الاسبوع المقبل.
بالتأكيد، لا يحتمل الحدثان الغوص بعيداً في افتراض تصحيح المسار المصرفي الذي يعاني فجوات بنيوية وعميقة متكاثرة كالفطر على مشارف ختام العام الثالث من عمر الانهيارات المالية والنقدية التي قوّضت ركائز اساسية ومفصلية في القطاع الذي استحق بجدارة لقب "جوهرة التاج" في الاقتصاد المحلي عبر حيازته، ما قبل انفجار الأزمات، لأصول تتعدى 400 في المئة من الناتج المحلي، ومعززة بهوية إقليمية صريحة وحضور دولي ناشط وشبكة متينة من البنوك المراسلة والعلاقات البينية في المنطقة وخارجها.
لكن الثابت أيضاً أن العودة إلى جذور المهنة المصرفية التي يجسدها قطاع التمويل والائتمان يمكن أن يشكل خطوة نوعية وواعدة في مسار يؤمل رفده بتوسعات إضافية وبعدم حصره بالليرة لاحقاً. بينما يظلّ الانتظار الثقيل معلّقاً على خطة تعافي "معدلة " ومجددة من خلال واضعيها أساساً. ثم بقيمة مضافة من مجلس النواب الجديد الوافد على متن برامج ووعود جازمة بالعمل على حماية حقوق المودعين. وبذلك، تحظى بتوافق داخلي عريض يحترم عدالة توزيع المسؤوليات والخسائر من دون استسهال التضحية بما لا يمكن تعويضه في مرحلة النهوض المنشودة، ويدعمها صندوق النقد الدولي، كمنطلق لفتح ابواب "المانحين" المغلقة بإحكام "حتى إشعار" المجتمع الدولي بتغيير حقيقي في إدارة البلد المنكوب وبالتزام وعود الإصلاحات الهيكلية.
واقع الحال والمحفّز على إعادة تنشيط التمويل "المحتجب" قسريّاً وبشكل شبه مطلق منذ خريف العام 2019، أن تفشي أكاذيب الوعود الفراغية المتكررة لمؤسسة كهرباء لبنان بتحسين التغذية بالتيار من ساعتين الى 10 ساعات يومياً، فرض تحوّلات متسارعة ومثيرة في توجهات المستهلكين، أفراداً ومؤسسات، الذين يقبلون بكثافة مشهودة على خيار التزود بالكهرباء عبرالاستثمار في إنشاء شبكاتهم الخاصة من ألواح الطاقة الشمسية، والتخلّي قسراً عن خيار الاشتراكات في المولدات الخاصة التي أضحت كلفتها التي تضاهي 3 ملايين ليرة بالحدّ الأدنى شهرياً، متعذرة تماماً عن معظم الفئات الاجتماعية.
وفي ظلّ تقلّص الآمال بزيادة التغذية بالتيار العمومي ربطاً بالمعوّقات السياسية (كارت أخضر أميركي على المرور عبر سوريا؟) واللوجستية التي تصاحب ملف استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، والتي تدفع بالبنك الدولي إلى التردد وربما تبلغ حدود النكث بوعد التمويل، ومع قرب انتهاء عقد التزود بالفيول العراقي لمعامل الانتاج بعد شهرين، أصبح من السهولة بمكان لمتابعي هذا الملف، ملاحظة الانتشار الكبير للخيم الحديدية الحاملة للالواح السوداء على سطوح الابنية والمنازل وحتى الحدائق والفسحات المتاحة، ولا سيّما في البلدات والقرى، والتي تعكس حجم الإقبال الاستثنائي على الخيار البديل.
وبالترافق، يتم تسجيل نمو لافت للعروض في الاسواق للبيع والتركيب من قبل الشركات المستوردة للتجهيزات وتجار الجملة والمفرّق الذين تتضاعف أعدادهم بشكل غير منظّم وبما يفيض عن حجم الطلب الكبير. فيما يحاول مالكو الشقق في أبنية المدن الكبرى إنضاج اتفاقات خاصة او انتظار حلول مؤاتية تعالج مشكلة الملكيات المشتركة للسطوح والفسحات المتاحة.
وبالوتيرة السريعة ذاتها، يتم رصد تنبّه إدارات المصارف إلى جدوى التوظيف التمويلي في هذه السوق الواعدة، فعمد العديد منها إلى تصميم منتجات لتوفير قروض تستجيب لإمداد المحتاجين بالسيولة المطلوبة بالتقسيط لقاء فوائد تراوح بين 5 و10 في المئة سنوياً، بهدف تمكينهم من الحصول الفوري على شبكاتهم الخاصة من كهرباء الطاقة الشمسية، مما سيحقق حكماً اندفاعات قوية ومضاعفة لهذه السوق الناشئة. علماً أن الكلفة المتوسطة للشبكة المنزلية تراوح بين 5 و7 آلاف دولار ووصولاً إلى 12 الف دولار للسعات الأعلى والنوعيات الأرفع بما يخص الفوارق بين البطاريات العادية و"الليثيوم" وسعر العاكس (INVERTER)، أي ما يوازي ما بين 150 و200 مليون ليرة، بحسب سعر الصرف السائد.
العزّ لليرة ..!
ما هو ثابت أيضاً، أن الاندفاعة المصرفية، والتي استمدت حيوية من مبادرة "بنك الاسكان" إلى طرح حزمة القروض الخاصة به، ترتكز إلى عاملين أساسيين: الأول ما يتوفّر من فوائض سيولة بالليرة ناجمة عن تحصيل قروض سابقة ومن الأموال الخاصة واستحقاقات سندات الخزينة ومن خارج سلّة تلبية السحوبات وفق الحصص المعتمدة حالياً. أما الثاني فهو وجود طلب حقيقي على تمويل الشبكات الخاصة للتزود بالكهرباء من الطاقة الشمسية، وهو يتصاعد بوتيرة مضاعفة من شهر إلى آخر، بسبب الارتفاعات الباهظة والمطردة في كلفة الاشتراكات بالمولدات الخاصة.
بيد أن البنوك التي درست فرص الانفتاح على التمويل والاستثمار المجدي في سوق ناشئة قد لا يقل حجمها عن 500 مليون دولار في الفترة الحالية والمتوسطة الأمد، سرعان ما اكتشفت اختلال المعادلة بين الكلفة المقومة بالدولار "الفريش" حصرياً وبين مخاطر التمويل بالعملة عينها. لتستدل لاحقاً صوابية الحل الذي بادر اليه "بنك الاسكان" بإمكانية طرح برامج تسليف بالليرة، على أن يتولى صاحب القرض عملية التبديل من الليرة إلى الدولار وفق الخيارت المتاحة سوقيّاً، أي عبر منصة "صيرفة" وشركات الصرافة (السوق السوداء).
وزاد من قناعة إدارات البنوك باعتماد هذا الخيار، الحصيلة "الخائبة" التي جنتها بنتيجة محاولة جدية لاستصدار مظلة قانونية وتشريعية تمكنها من إلزام المقترض بسداد أقساطه المستحقة بالعملة ذاتها التي تقرضه بها. حيث تؤكد متابعة موقع "أولاً- الأقتصاد والأعمال" أن جمعية المصارف بذلت جهوداً مباشرة لدى المراجع الرئاسية استهدفت إنضاج تعديلات قانونية وإجرائية عبر السلطتين التنفيذية والتشريعية في الاتجاه المنشود، لتحصد أجوبة شبه حاسمة تلاقت عند نقطتي "عدم الاهتمام" وطلب إرجاء القضية الى أمد غير معلوم.
وفي حيثيات تحرك الجمعية، بيّنت أنه منذ الإعلان الرسمي للحكومة في 9 آذار/مارس من العام 2020، عن توقف لبنان عن سداد مستحقاته المالية، دخل القطاع المصرفي، كما سائر تشعّبات القطاع الخاص، في ما يشبه حال التصفية، في ضوء الشلل التام الّذي أصاب كل مرافق الحياة الإنتاجية والحيوية. ولم يعد باستطاعة المصارف ما عاد في إمكانها توفير القروض أو تسهيل فتح الاعتمادات إلى الخارج، وانتقل سوق القطع الداخلي بشكل متواتر من المصارف إلى الصرافين، فيما لجأ التجار إلى سوق الصيرفة المتاحة أمامهم لتوفيرالعملة الأجنبية التي يحتاجون إليها لإستيراد بضائعهم، وصارت عمليات فتح الاعتمادات أو تسديد المستحقات في الخارج جزءًا من عمل الصرافين.
بالنتيجة، ازدهر مصطلح السوق السوداء لأسعار الصرف وصار يتحكّم بحركة القطع على المستويات التجارية والتبادل وحاجات المواطنين. في حين عانت المصارف من هذا الواقع إلى حدّ أن بعض المدينين بالعملة الأجنبية صاروا يلجأون إلى الكتاب بالعدل لإيداع مستحقاتهم المتوجبة للمصارف، على السعر الرسمي، أي 1515 ليرة لبنانية للدولار الأميركي وما يعنيه هذا الأمر من خسائر جسيمة.
بناء عليه، تمت صياغة المقترح الذي من شأنه أن يعيد بثّ الروح في الحركة المصرفية، واستطراداً في العملية الإقتصادية، بما يسهم في وقف التدهور والحدّ من التراجع ومن التسريح المتزايد للموظفين والعمال وتوسيع دائرة البطالة. ذلك أن المصارف هي عماد النشاط الاقتصادي، ومتى استعادت حركتها الطبيعية، فستكون تلقائياً محّفزاً في توفير العملة الوطنية كما الدولار المحلي، مع ما يشكّله هذا الأمر من دفع مضاعف في الحياة الإقتصادية وتنشيط القطاع الخاص وتطويره.
الإقتراح بسيط وسهل التطبيق، فالمصارف تتوفّر لها السيولة بالعملة الوطنية وبالدولار المحلي، ولتمكينها من دخول السوق مجدداً يفترض توفير الإطار القانوني الذي يكفل لها حقوقها، فتتمكن من استرداد ديونها من المدين قانوناً، من خلال التمييز بين القروض بالعملة الوطنية وتلك التي بالدولار الأميركي، ليأتي السداد بحسب عملة القرض. هذا لا يكون إلا بالتعاطي العادل للقضاء مع هذه الملّفات، لتأتي احكامه وقراراته غير منحازة لفريق دون آخر، بما يضمن حل المشاكل المتعثرة بين المصرف وعملائه.
تقدّم ... وترقبات واعدة
المهم بالنتيجة، أن الاسواق الانطلاقة الاولى لعمليات التسليف الجديدة أول الاسبوع المقبل مع إفصاح "بنك الاسكان" عن عنوان بوابته الالكترونية المختصة بتلبية طلبات قروض الطاقة من ضمن مبادرة متكاملة تشمل حزمة من منتجات القروض الاسكانية الموجهة خصوصاً لذوي الدخل المحدود، ولا سيما في الأرياف، بينما تعكف 6 بنوك على الاقل، وبالتزامن على وضع اللمسات الاخيرة لاطلاق منتجات مستحدثة للتمويل بالتجزئة وتتصدرها القروض المخصصة للطاقة الشمسية.
ويمثّل هذا الدفق التمويلي المرتقب بالليرة حصراً في المرحلة الحالية بسبب المحاذير الكامنة في استئناف الاقراض بالدولار ريثما تتوفر ضمانات كافية للسداد بالعملة عينها، استعادة استثنائية، ولو خجولة في بداياتها، لوظيفة البنوك في قطاع الائتمان، بعد اعتكاف قسري وطويل يشرف على ختام عامه الثالث جرّاء الأزمات المالية والنقدية التي قوّضت معظم العمليات المصرفية ومنظومات التسليف للأفراد والشركات على حد سواء، وأدّت الى تقلص حاد في محافظ التمويل لدى الجهاز المصرفي من مستويات قاربت 53 مليار دولار إلى أقل من 20 مليار دولار، ووسط نزف كبير في القيم المسددة بالسعر الرسمي لليرة للقروض المحررة بالدولار، وهو ما يسري ايضاً على كامل التمويلات السابقة بالليرة.
ويؤكد رئيس مجلس إدارة "مصرف الاسكان" ومديره العام أنطوان حبيب، أن "المبادرة لتصميم رزمة قروض خصصها "مصرف الاسكان" لمساعدة اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود، تقع في أساس وجود البنك ومهامه. وبدءاً من الاسبوع المقبل، سنضع هذه المنتجات بتصرف المستهدفين مقرونة باعتماد معدلات فوائد متدنية بالليرة لن تتعدى 5 في المئة، وبتسهيلات تقنية من خلال الموقع الالكتروني الذي سيتيح تقديم الطلبات والحصول على الموافقات المبدئية كاملة قبل التوجه الى مركزنا او فروعنا في المحافظات".
واعتبر، في حديث مع "أولا – الاقتصاد والأعمال"، أن "غياب البنوك عن التمويل لوقت طويل نسبياً يمكن أن ينتج مخاطر جسيمة مستقبلاً، بحيث يفصلها عن قواعد واسعة من عملائها وشراكاتها المباشرة في قطاعات الانتاج كافة توظيف مواردها في تلبية حاجات الأفراد والشركات. فالائتمان هو أساس محوري في عمل البنوك ومصدر قوتها كقاطرة للاقتصاد الوطني. فضلاً عن صدارته في الجدوى الاستثمارية وديمومة الربحية في مرحلة التعافي الموعودة."
اما حزمة القروض التي سيطلقها المصرف، فهي تضم قرض شراء منزل الذي يصل الى مبلغ اقصاه مليار ليرة كبدل لشراء شقة بتقسيط السداد على 30 سنة. وقرض ترميم المنزل بمبلغ أقصاه 400 مليون مقسطاً على 10 سنوات. أما قروض الطاقة الشمسية فتراوح السقف المالي بين 75 و200 مليون ليرة تقسّط على 5 سنوات. وسيتم اعتماد فائدة سنوية موحدة بنسبة 4،99 في المئة.
وفي سياق المبادرات المماثلة، كشف فوزي فرح، رئيس مجلس ادارة مؤسسة "CFC" المتخصصة بالتمويل بالتجزئة والتابعة لمجموعة "فرست ناشونال بنك"، عن "اطلاق فعلي لمجموعة منتجات موجهة حصراً لتلبية الحاجات المالية للأفراد والمؤسسات الصغيرة، وبما يشمل القروض الخاصة بحيازة شبكة الطاقة الشمسية كبديل نموذجي، مالي وبيئي، للتزود بالتيار الكهربائي المتعثر على الشبكة العمومية والمتعذر بكلفته الباهظة على فئات كبيرة من اصحاب المداخيل المتدنية والمتوسطة".
واكّد أن "توظيف السيولة المتوفرة بالليرة لدى البنوك وشركاتها المتخصصة وتوجيهها الى عمليات التسليف يقع في صلب استهداف إعادة ترميم جسور الثقة والتفاعل بين أجهزة القطاع المالي والعملاء الذين عانوا الأمرّين على مدار الانهيارات النقدية والمالية المتفاقمة تباعاً منذ خريف العام 2019. والاسواق متعطشة حالياً إلى مبادرات خلّاقة من شأنها المساهمة في إعادة تصويب منظومات الخدمات المصرفية واستعادة التواصل الطبيعي بين موارد السيولة النقدية والتوظيفات الممكنة في قطاعات العمل والانتاج، مما يؤسّس لتسريع الخروج من دوامة الانهيارات وتزخيم النهوض في مرحلة التعافي".
ويوضح مدير عام المؤسسة طوني دبغيان، أن "استئناف ضخ القروض الاستهلاكية يلاقي استجابة متزايدة من قبل محتاجي التمويل بالتجزئة والمتلهفين على شراء سلع او اجهزة ضرورية لحياتهم اليومية وتنقلاتهم. كما تشكل الحلول المناسبة لاصحاب المهن ومؤسسات الأعمال الصغيرة الذين يتوقون الى تنمية انشطتهم وتحسين مداخيلهم عبر شراء معدات أو مواد اساسية. وسنطرح قريباً المنتج الخاص بالطاقة الشمسية بتمويل يصل الى 250 مليون ليرة، مع مراعاة الفائدة الانسب للمستفيد والاستثمار معا".
وتضم حزمة القروض المتاحة حاليا، تمويل شراء دراجة نارية او كهربائية للتنقل كبديل عن الكلفة المرتفعة للغاية لبدل البنزين للسيارات الخاصة. كذلك مجموعة من السلع المعمرة تشمل جميع الاجهزة الكهربائية والمنزلية كالبرادات والغسالات والتلفزيون وسواها من اللوازم الضرورية للحياة اليومية. فضلاً عن القروض المالية الشخصية التي يحتاجها الافراد او المؤسسات الصغيرة لسداد حاجات مالية طارئة .