بأقلامهم >بأقلامهم
المقاطعة والنتائج السياسية
جنوبيات
لا شك أنّ هناك إنجازات كبيرة حدثت على مستوى مقاطعة دولة الكيان من ناحية اقتصادية، حيث سحبت العديد من الشركات الأجنبية والعالمية استثماراتها من مشاريع وشركات إسرائيلية، كان آخرها قرار شركة G4s، وهي شركة أمنية دولية متعددة الجنسيات (بريطانية دنمركية)، إنهاء أعمالها بصورة كاملة من إسرائيل، بعد أن كانت قد سحبتها قبل ستة أعوام من المستوطنات ومن نقاط التفتيش، وقد جاء القرار مؤخراً بسحب استثماراتها من شركة استثمار إسرائيلية خاصة تملك "أكاديمية الشرطة" في دولة الاحتلال، حيث تملك شركة G4s الدولية ما نسبته 25% من أسهم الشركة الإسرائيلية، وبهذا، وبحلول نهاية عام 2023، تكون الشركة قد انسحبت بصورة كاملة من دولة الاحتلال، وأنهت كل الاستثمارات فيها، ولكن على الرغم من ذلك، ومن الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها دولة الاحتلال جرّاء المقاطعة الاقتصادية وسحب استثمارات الشركات الدولية منها وعدم التعامل معها تجارياً، إلّا أنّها لم ترتدع، ولم تغيّر في سلوكها الاضطهادي العنصري اليومي تجاه الشعب الفلسطيني، بل على العكس، هي تقوم بممارسة مزيد من الانتهاكات بحق كل ما هو فلسطيني، من بشر وحجر وأرض، كما أنها تقوم بالقتل المتعمد للأسرى، خاصة المرضى منهم، من خلال حرمانهم من تلقي الرعاية الطبية التي يحتاجونها، وتوفير الأدوية اللازمة لهم، واتباع سياسة الإهمال الطبي بحقهم، في انتهاك صارخ ووقح لجميع القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية ولحقوق الإنسان المتعارف والمتفق عليها دولياً.
دولة الكيان لا زالت دولة مارقة، متمردة على القوانين، تتعامل مع المجتمع الدولي بقلة أدب وقلة احترام، حيث لا تلتفت لأيّ بيانات أو قرارات تؤخذ بحقها، هي لا تسمع، لا ترى، ولكنها مستمرة في التفوه بالأكاذيب والادعاءات والافتراءات وتزوير الحقائق والتاريخ والجغرافيا، ولا زالت تفرض الوقائع على الأرض تحت ذريعة الأمن، ولا زال المرجع الأساسي للسياسة الإسرائيلية قائم على ممارسة القوة والإخضاع لتحقيق أهدافها التوسعية اللانهائية.
سياسياً، لم نلحظ أيّ تغير في النهج السياسي كنتيجة لما تحققّه أنواع المقاطعة المختلفة، وكأنّ إسرائيل تقول للعالم قاطعوا كما شئتم، فأنا مستمرة في نهجي الاستيطاني الاستعماري الأبارتهايدي، ولم نلحظ أيّ بوادر لإنهاء الاحتلال، ولا أيّ تقدّم بموضوع إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة وفق القوانين والقرارات الدولية بإقامة دولتهم المستقلة وما يتبعها من حقوق كحق تقرير المصير وحق العودة، لم نشهد أيّ توجه نحو السلام، بل على العكس، هي تزيد من وتيرة بناء المستوطنات بصورة غير مسبوقة، وتستمر بمصادرة الأراضي، ولا تتوقف عن محاولاتها لتهويد القدس وتغيير معالمها والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وتستمر بالتلويح بضم الضفة وغيرها من التصعيدات الأمنية والعسكرية والسياسية. ولو ذهبنا باتجاه حل الدولة الواحدة، لا يوجد مؤشر أيضاً بأنها ذاهبة إليه، ولا أنّ لديها استعداد للتفكير بأيّ نوع من الاتفاق نحو السلام وإيجاد حل يحقّق السلام العادل وإنصاف الفلسطينيين.
لا أقلّل من أهمية المقاطعة الاقتصادية، ولا المقاطعة الأكاديمية لدولة الاحتلال، والتي حقّقت إنجازات في هذا المجال، ولكن لا بد من أن يكون هناك نتائج لجميع أنواع المقاطعة من الناحية السياسية، لا بد من الدفع بإسرائيل لاتباع نهج قائم على الحقوق، لا بد من وجود أفق سياسي يفضي إلى بلورة إطار سياسي يختلف عن الموجود حالياً في ظل الحكومة الإسرائيلية الفاشية المتطرفة، وينهي الاحتلال بأسرع وقت ممكن، ومن هنا تأتي أهمية تراكمية وتكاملية الجهود الرسمية منها والشعبية، الاقتصادية منها والسياسية والدبلوماسية، لا بد من التنسيق وتوزيع الأدوار والعمل بصورة متوازية من خلال جميع الأطر وبصورة مكثفة، ولا بد من ابتكار حلول لانتزاع الحقوق الفلسطينية ووضع خطط فعّالة لتطبيقها، لا بد لنا من التنويع في الخطاب السياسي الفلسطيني وعدم الاعتماد على أسلوب واحد، أيّ أن يجمع خطابنا السياسي بين أن يكون ودّياً وبذات الوقت حادّاً وقاسياً، أن يكون عاطفياً إلى درجة معينة، وبذات الوقت عقلانياً موضوعياً علمياً، لا بد أن يكون الخطاب السياسي الفلسطيني وحدوياً دون ذكر الانقسام، أيّ أن يركز على البديهية الوحدوية تحت مظلة الشرعية الفلسطينية وقيادة منظمة التحريرالفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لأنّ ذلك هو الأساس والمفترض، أن يكون خطابنا السياسي بلهجة الأمر بالتصرف لإنهاء الاحتلال وليس الطلب برفق، وأن يحوي لهجة التهديد بالفعل المؤكد المبني على جديّة النيّة والإرادة والقوة والقدرة على التنفيذ الفوري، والأهم ألّا يتضمن خطابنا السياسي أيّ سلبيات بفعل النهي، أي أن يكون كله فعل وليس النهي عن الفعل، وهذا من باب التوكيد المحتم. بالإضافة إلى ذلك علينا كفلسطينيين عدم الاكتفاء بالحلول المطروحة دون آليات تنفيذ، بل علينا أن نضع الخطط التنفيذية للوصول إلى الهدف وتقديمها إلى المجتمع الدولي على شكل مقترحات قابلة للتنفيذ العملي، بمعنى آخر أن نأخذ زمام المبادرة في طرح الحلول العملية وخطط العمل وألّا نكتفي بالاستناد على ما سبق والمطروح من قبل الغير.
إنّ تعرية إسرائيل تتطلب تقديم الحقائق بالأرقام والمعلومات حول ما تحقّقه جميع أنواع المقاطعة إلى المجتمع الدولي، كمؤشر على الرفض الشعبي في جميع القطاعات لاستمرار الاحتلال وممارساته العنصرية، هنا فقط يمكن أن يتم استخدام تلك البيانات لتحقيق ضغط إضافي على المجتمع الدولي، وبالتالي المساهمة في تحقيق نتائج سياسية مبنية على معطيات حركات وحملات المقاطعة، أيّ عدم الاكتفاء بنشر نتيجة جهود حملات وحركات المقاطعة بصورة منفصلة، وتضمينها بتقرير ملخص بالخطاب السياسي الفلسطيني.