بأقلامهم >بأقلامهم
الإنتقائية
الإنتقائية ‎الأحد 23 03 2025 10:06 زياد شبيب
الإنتقائية

جنوبيات

تجاهر الجماعات السياسية بالمطالبة بتطبيق اتفاق الطائف أو وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها النواب في المملكة العربية السعودية العام 1989، ولكن معظمها يتعامل مع الاتفاق انتقائياً من خلال التمسّك بما يلائمه من بنوده وإهمال البنود الأخرى التي لا تصب في مصلحته والعمل على تعطيل تنفيذها.
حتى البنود التي أدرجت في متن الدستور بالتعديل الذي أقرّه مجلس النواب في العام 1990 لا يزال بعضها حبرًا على ورق، وأهمها المادة 95 من الدستور، بالإضافة إلى بنود إصلاحية أخرى. وأهم تلك البنود الموضوعة جانبًا تلك المتعلقة بالإصلاحات وتحديدًا إقرار اللامركزية الإدارية الموسّعة المترافقة مع بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وحلّ جميع الميلشيات المترافق مع تحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة.
الانتقائية في منهج الجماعات والقوى السياسية لا تقتصر على التعامل مع الدستور واتفاق الطائف، بل تراها أيضًا حتى في التعامل مع مقررات طاولات الحوار الوطني وفي البيانات الوزارية التي تتفق عليها القوى المشاركة فيها والموافقة عليها.
البيان الوزاري للحكومة الحالية اتفق المشاركون في الحكومة على مضامينه ونالوا ثقة مجلس النواب على أساسها ولكن بعضهم أضمر ما لم يعلن. ولهذا السبب مثلًا تعرّض وزير الخارجية يوسف رجّي للانتقاد عندما أبرَزَ مضامين البيان الوزاري معطيًا إياها الأبعاد التنفيذية المترتبة عليها. ولهذا أيضًا تعرّض نائب رئيس الحكومة طارق متري لانتقاد في غير محلّه عندما عبّر في حديث إعلامي عن السياسات التي أقرّها مجلس الوزراء في البيان الوزاري، ولكنه نفى، عن حق، وجود خطط تنفيذية لتلك المقررات.
البيانات الوزارية ليست نصوصًا قانونية بل هي وثائق سياسية يمكن الاختلاف عليها وحتى يمكن عدم الالتزام بها مقابل التعرّض للمحاسبة البرلمانية وفقدان ثقة المجلس النيابي، لكن النصوص التأسيسية أي الدستور واتفاق الطائف لا يمكن التعامل معها كلائحة الطعام واختيار ما يناسب منها ونبذ ما لا يناسب أو إهماله.
رئيس مجلس الوزراء يكرّر إعلانه العزم على تنفيذ تلك النصوص التأسيسية ويقول بأن البنود الإصلاحية واجبة التطبيق وتحديدًا تلك المتعلقة بتشكيل الهيئة الوطنية المعنية بتطبيق المادة 95 من الدستور وإقرار اللامركزية الموسّعة وبسط سلطة الدولة على جميع الأراضي، ولكن البعض يجابه إصراره هذا بالمنطق الانتقائي السائد منذ العام 1990، وبالقول بأن هذا بندٌ جيّد وذاك بند سيّء أو غير مناسب، والبعض الآخر يكرّر التأييد اللفظي لاتفاق الطائف وللالتزام بالدستور ويتجاهل كليًّا بأن ذلك يعني تفكيك قدراته وزوال أدواره ما فوق السياسية.
يغامر الرافضون للمنطق المتكامل في تطبيق النصوص التأسيسية، كما المنادون بأهميتها مع تجاهل مضامينها، بالتعرّض لخسارة ما يناسبهم من بنودها، وخسارة الوحدة الوطنية بحدّ ذاتها، وهم لا يدركون بأن الاستمرار بهذا المنهج يؤدي إلى نسف الأسس التي يقوم عليها البلد. والتفكّك الذي قد تتعرّض له الوحدة الوطنيّة اليوم لا يقتصر على الانقسام السياسي الحادّ، فهذا الانقسام قائم أصلًا، بل يعني التفكك الجغرافي بعد التحوّلات الإقليمية الهائلة التي حصلت، وتحديدًا في سوريا، والتي أدّت إلى إحياء طروحات تعود إلى النصف الأول من القرن الماضي حين كان البعض يطالب بالوحدة السورية والعربية والتي قابلتها آنذاك طروحات تقسيمية عادت مؤخّرًا للظهور تحت عناوين أخرى.

المصدر : النهار