بأقلامهم >بأقلامهم
الهويةُ لبنانيةٌ والهوا جنوبي!
الهويةُ لبنانيةٌ والهوا جنوبي! ‎الثلاثاء 25 03 2025 08:26 رشا ابو غزالة
الهويةُ لبنانيةٌ والهوا جنوبي!

جنوبيات

علَّمَني جنوبي أنَّ العظمةَ تولدُ من رحمِ التّحدي، وأنَّ التاريخَ لا يُكتَبُ بالتَّبعيّةِ، بل بصناعةِ المواقفِ وإرادةِ القرار، 

علَّمَني جنوبي أنَّ القيادةَ ليست امتيازاً، بل مسؤوليةً وأنَّ المناصبَ ليست غايةً، بل وسيلةً لتحقيق رؤًى ترسّخت في وجدان أبنائه، 
علَّمَني جنوبي أنَّ كل خطوةٍ على هذه الأرض هي شهادةٌ حيةٌ على قوةِ الانتماء، وأنَّ كلَّ إنجازٍ يَروي قصةَ عشقٍ للوطن يُعلِنُ أنَّ الجنوبَ بأبنائِه وبصماتِه سيظلُّ دوماً في الصدارة، رافداً للقرار وصانعاً للتحوّلات الكبرى، لا ينتظرُ بذلك اعترافاً من أحدٍ، فالتاريخ يشهدُ له في السّلمِ كما في الحربِ، في السياسةِ كما في القانونِ، في ساحاتِ الفكر كما في ميادينِ الثقافة.

واليوم، يثبتُ جنوبي أنه ليس مجردَّ اتجاهٍ جغرافيٍ، بل جزءٌ أصيلٌ في معادلة الدولة بأبطالِه الذين يحجزون الصدارة.
«الهوا جنوبي» لم تعد مجردَ أغنيةٍ تُردِّدها القلوبُ أو شعرٌ ينسابُ بين السّطور، بل أصبحت حقيقةً تسري في عروق الوطن، فالهوى جنوبي والهوا جنوبي والهوية جنوبية! وكل نسمةٍ تهبُّ تحمِلُنا إلى الجنوب، حيث تُصنَعُ الأمجادُ وتُروى حكاياتُ البطولة...
هنا، حيثُ الرجولةُ قدرٌ يُكتَبُ بالحبر والدم، هوى المجدُ جنوباً فكانت الرئاسةُ جنوبيةً، والقيادةُ جنوبيةً، وكلُّ الطّرقِ التي تؤدي إلى المجدِ تبدأُ من الجنوب، حيث الرجالُ لا ينحنون إلّا لالتقاط رايةِ الوطن.
هنا، من أرضِ الصمود، انطلقت أولى فصولِ البطولة مع العماد جوزاف عون، الذي خطَّ دربَ الكرامةِ حاملاً رايةَ السيادة فغرسَها في صلبِ الجمهورية متربعاً على عرشِها وعرشِ قلوبِنا رئيساً!
ولأن الأمانةَ لا تَجِدُ صدراً يحضنُها سوى أرض الجنوب، كان لا بدّ أن تستمرَّ الرايةُ مرفوعةً تنتقِلُ من يدٍ قويةٍ إلى أخرى لا تقلُّ عنها صلابةً. هكذا سلّمَ الرئيس عون الأمانةَ إلى العماد رودولف هيكل الذي يُجسِّدُ الهويةَ الجنوبيةَ الحيّةَ التي لا تعرف الهامشيّةَ ولا ترضى سوى بالصدارة.
لم يأتِ العماد هيكل إلى قيادة الجيش من فراغٍ، بل جاء مُحَمَّلاً بعزيمةٍ من نارٍ وحديدٍ، صاغَتْها المعاركُ وأوْقدَتْها ميادينُ القتال، لا تكسوه الأوسمةُ بِقدْرِ ما تكسوه آثارُ المواجهة؛ ففي كلّ جرحٍ على جسده، هناك حكايةٌ، وفي كل ندبةٍ معركةٌ انتصر فيها جيشُه. 
العماد هيكل، بشخصيّتِه الهادئة والضحكةِ التي لا تفارقُ محيّاه، يُعيدُ لنا اليومَ صورةَ ذاك الجنوبي الأصيلِ الذي يرفض الاستسلام ويعتَنِقُ التحدي ويؤمنُ أن العظمةَ لا تأتي إلا بالثباتِ والإصرار.

سِرْ بثقةٍ، أيها العِماد، فالتاريخُ يفتحُ لك صفحاتِه، أُكتُبْ لنا فيها سطورَ المجدِ للوطنِ والجيشِ وشهدائِه في عليائِهم، ولْتكُنْ قيادَتُكَ فصلاً جديداً من العزة والكرامة، كذلك الذي كتَبَهُ لنا العماد جوزاف عون!
ومِن العيشيّة حيث تولدُ الرئاسةُ وتُصاغُ القراراتُ بحكمةِ رجُلٍ اعتنَقَ الدولةَ إيماناً لا مَنصِباً، إلى عقتنيت حيث القيادةُ تَحمِلُ بثباتٍ من يعرف معنى الشرف، مضى الهوا حُرّاً يلوح في كلِّ قريةٍ ووادٍ، ينسابُ فوق تلالِ الجنوب، يُعانِقُ زيتونَهُ ويسكنُ في عَبقِ زعترِه؛ هناك مِن جنوبِ الميس، جنوبِ الجبل، خرج اللواء حسن شقير مُشبَّعاً بعطرِ الجنوب، محمولاً بعزيمةٍ صلبةٍ، مُمسِكاً رايةَ الأمن العام كما يُمسِكُ الفارسُ سيفَهُ مُؤمِناً أنَّ الدولة تُحملُ في القلبِ قبل أنْ تُحمَلَ على الأكتاف. 
وإنْ لم تكُنْ قياداتُ الوطنِ كلُّها من أبناءِ الجنوب، فإنَّ أرضَهُ تتركُ أثَرَها في كلِّ من مرَّ بها واحتَكَّ بتاريخها وتَشرَّبَ من صلابتِها. هكذا هو اللواء إدغار لاوندس الذي، وإنْ لمْ يكُن من أصلٍ جنوبيٍ، حطَّ رحالَهُ لسنواتٍ في أرضِ الجنوب، سكَنَ «صورَها وسورَها» فتماهى مع روحِها الصلبةِ حتّى أصبحَ جزءاً من نسيجِها وفرداً من أبنائِها. 
من هنا، من هذه الأرض، حملَهُ «الهوا الجنوبي» ليحطَّ به في قلبِ العاصمة قائداً لأمن الدولة، وبين الجيشِ وأمنِ الدولة، قضيةٌ واحدةٌ لا تلتوي: الأمنُ والدولةُ!
ها أنا أستأذِنُ باقي القيادات، أستأذِنُ وطني بكلِّ أركانه، أستأذِن عِزّةَ الشمال وعنفوانَ البقاع، وصلابةَ الإقليمِ والجبلِ ومجدَ بيروت، لأني تحدّثتُ عن الجنوبِ وحدَه ولأني نسَجْتُ من خيوطِ مجدِه سطورَ هذا الكلام. لكن، كيف لي ألّا أفعلَ؟ وأنا ابنةُ الجنوبِ، ابنةُ الصمودِ، ابنةُ المسيحِ والإمامِ، ابنةُ أرضٍ لا تنحني ولا تستسلم، أرضٍ أنْجبَتْ رجالاً لا تُهدى إليهم المناصبُ، بل هُم مَنْ يصنعونَها! 
وأيُّ فخرٍ أعظمُ مِنْ أن تكونَ الدولةُ برمَّتِها اليومَ جنوبيّةَ القلب والهوى؟ فصولُها تُكتَبُ بأيدي رجالِها، وأقدارُها تُرسَمُ بعزمِهم، وكيف لا؟ وتاريخُ الجنوبِ يتجسَّدُ في رجلٍ، ليس مجرّدَ اسم في السّجلات، بل سيرةً تُقرَأُ بين دَفَّتَي الزمن. رجلٌ لم يكن يوماً عابراً في الدولة، بل كان جزءاً من تكوينها، هو الرئيس نبيه بري، وجهٌ تَراهُ في وجدانِ الجنوب، وصوتٌ لا تُخطئُه ذاكرةُ الوطن...
واليوم، إذ يقفُ الجنوبُ في طليعةِ الدولة، لا يسعى لاعترافٍ ولا ينتظرُ امتناناً، فهو لم يكُنْ يوماً ظِلاً عابراً على مسرح الوطن ولا صفحةً هامشيةً في كتابِهِ، بل كان المدادَ الذي خُطَّت به سطورُ المجدِ والكرامة.
علَّمَني جنوبي أنا ... أنَّ الهويّةَ قدرٌ، وأنَّ الصدارةَ حقٌ، وأنَّ الجنوبَ ليس جغرافياً فحسب، بل نبضٌ لا يخفتُ ما دام في القلب نبضٌ، وروحٌ تَسري في شرايينِ الوطن، ما بَقِيَ الوطن!

 شقيقة النقيب الشهيد روي أبو غزالة

المصدر : جريدة اللواء