بأقلامهم >بأقلامهم
"إســرائيل" تستغل استشهاد نصرالله لتحقيق الحلم التاريخي
"إســرائيل" تستغل استشهاد نصرالله لتحقيق الحلم التاريخي ‎الثلاثاء 25 03 2025 08:43 محمد المدني
"إســرائيل" تستغل استشهاد نصرالله لتحقيق الحلم التاريخي


تاريخياً، لم يكن الحديث عن التطبيع بين لبنان وإسرائيل بالجدية التي يتمّ بها العمل على إنجاز هذا المشروع القائم منذ حطّ الكيان الإسرائيلي قدمه في فلسطين، وكثيرة هي المحاولات التي قام بها الغرب والإسرائيليون لتحقيق حلم التطبيع الإسرائيلي مع لبنان، وآخر المحاولات كانت في عهد الرئيس بشير الجميل الذي رفض توقيع السلام إلاّ بإجماع لبناني وطني كان ولا يزال "مستحيلاً".

مرّة بالترغيب ومرّة بالترهيب، لا تتوقف إسرائيل عن السعي لجمع أكبر عدد ممكن من الدول "المطبّعة" معها في الشرق، الأولى كانت مصر ثم الأردن، ولاحقاً الإمارات العربية المتحدة وقطر، والحبل عالجرّار.
بقيت سوريا ولبنان خارج هذا التوجه العربي رغم كل الإغراءات السياسية والإقتصادية. ورغم الحروب المدمرة، لم تنجح إسرائيل في جرّ لبنان وسوريا إلى ملعب التطبيع كي لا نقول "السلام".

وبعد توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار مع إسرائيل واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، بات واضحاً أن الهدف الإسرائيلي يتخطى القضاء على "حزب الله"، فما من انتصار يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تحققه وتقدمه لشعبها أهم من توقيع اتفاقية تطبيع مع لبنان.

وبعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عبر مفاوضات غير مباشرة، وبعد تبدّل ميزان القوى في المنطقة وتراجع نفوذ محور الممانعة، ترى إسرائيل أنها أمام فرصة تاريخيّة لاستكمال ما بدأته عند توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في واشنطن عام 1979.

لذلك هناك خشية لدى شريحة واسعة من اللبنانيين أن تكون الحكومة الحالية قد تشكّلت لتكون حكومة التطبيع، وإن لم يقل أحد هذه الكلمة في لبنان، ولكن تصريحات المسؤولين الأميركيين فضحت النوايا والخلفيات الحقيقية عندما تمّ الإتفاق على تشكيل الحكومة، والظاهر أن الأميركي بنى آماله على هذه الحكومة بناءً على فرضية أن الحزب انتهى وأن لبنان بات في زمن ليس فيه السيد حسن نصر الله.

وعليه، وبما أن الحزب قد تقوضت قدراته العسكرية والسياسية وتمّت محاصرته من كل الجهات تقريباً بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، فإن مسار التطبيع مع لبنان ومع سوريا بات أقرب إلى الواقع الذي كان لسنوات بعيد المدى، لكن اليوم أصبح ممكناً جداً خصوصاً أن ما "تبقى من قدرات لدى حزب الله وحلفائه"، لا يمكن تفعيلها أو أنها تتعرض لضربات متتالية من جانب إسرائيل من جهة الجنوب، أو من النظام الجديد في سوريا من جهة الشمال. فالمسألة أن هناك خريطة جديدة للشرق الأوسط لا يمكن للبنان أن يتخلّف عنها. وإن حصلت اعتراضات، فإن الحكومة اللبنانية والجيش قادران على ضبطها ولجمها في الوقت المناسب.

إذاً، الفرضية الحاكمة عند الأميركيين والإسرائيليين وحتى قسم من العرب بأن لبنان بات قاب قوسين أو أدنى من اتفاق مع إسرائيل وبعدها سيتم حل مشاكله المالية أو تلك المتعلقة بإعادة الإعمار.

لكن من يرفض هذا المسار يعتبر أن كل ما يُقال في وسائل الإعلام يأتي بناءً على تصوّر يظن فيه خصوم الحزب أنهم قادرون على تنفيذه، لكن بحسب التجربة التاريخية وقدرات الحزب والقوى الحليفة له سيتمكنون من ضرب هذا المسار بقوة ولو استلزم خضّة سياسية وربما عسكرية كبرى، لأن السماح للإتفاق أن يمرّ سيُجرّئ إسرائيل على ضرب أصول المقاومة، ليس العسكرية فحسب، وإنما الثقافية والإجتماعية، وهذا يعتبر من الخطوط الحمراء التي لن تقبل بيئة الحزب بتجاوزها مهما كانت التحديات والمخاطر.