بأقلامهم >بأقلامهم
غزة: مجزرة بلا حرب وشعب يواجه الإبادة...!
غزة: مجزرة بلا حرب وشعب يواجه الإبادة...! ‎الثلاثاء 25 03 2025 18:13 د. عبد الرحيم جاموس
غزة: مجزرة بلا حرب وشعب يواجه الإبادة...!

جنوبيات

ما يجري في غزة اليوم ليس حربًا، بل مجزرة مكتملة الأركان تُنفَّذ بآلة قتل صهيونية بلا هوادة ضد المدنيين العُزَّل، عندما نتحدث عن "الحرب"، فإننا نشير إلى مواجهة بين جيشين، إلى معارك كرٍّ وفرٍّ، إلى صراع مسلح متكافئ نسبيًا بين طرفين، لكن ما يحدث في غزة هو قتل جماعي، حيث يُستهدف الأطفال والنساء وكبار السن والمستشفيات والملاجئ، دون أن يكون هناك جيش يقاتل على الأرض كما تروّج الدعاية الصهيونية ومنصات إعلامية تسوّق لتسمية "حرب غزة" عن قصد أو جهل.

الواقع منذ اليوم الأول لهذا العدوان، لم يكن هناك جبهات قتال متقابلة كما في الحروب التقليدية، لم نشاهد كتائب تُقاتل في شوارع غزة ضد جيش الاحتلال، ولم يكن هناك معارك بين وحدات عسكرية. ما رأيناه هو جيش الاحتلال الإسرائيلي يضرب بلا رحمة، يقصف البنية التحتية، يسوّي الأحياء السكنية بالأرض، يقتل الأطفال في أحضان أمهاتهم، ويستخدم كل أدوات الفتك في وجه شعب محاصر بلا أدنى مقومات الحياة.

أما المقاومة الفلسطينية، فلطالما اعتمدت على تكتيكات حرب العصابات وليس المواجهة المباشرة، نظرًا للفارق الهائل في القدرات العسكرية، ومع ذلك، فإن هذه المقاومة ليست جيشًا نظاميًا يقاتل في معارك مفتوحة، بل مجموعات صغيرة تضرب حيث تستطيع، ثم تتراجع، الاحتلال يعلم هذا جيدًا، لكنه يصر على تصوير عدوانه وكأنه "حرب"، ليبرر جرائمه ويبرر التدمير الشامل لغزة أمام العالم.

التواطؤ والتبرير الإعلامي للجرائم، عندما تتكرر عبارة "الحرب في غزة" في الإعلام، فإنها تؤدي إلى تطبيع القتل الجماعي وجعل المجازر تبدو وكأنها نتيجة طبيعية لصراع عسكري متكافئ، هذا الخطاب يبرر ما تفعله إسرائيل، ويمنحها الغطاء الأخلاقي والسياسي أمام العالم، حتى بعض المحللين والمعلقين العرب وقعوا في هذا الفخ، وساهموا في ترسيخ المصطلح وكأن ما يحدث ليس سوى "جولة جديدة من الصراع"، بينما الواقع أن غزة تتعرض لواحدة من أبشع عمليات الإبادة الجماعية في العصر الحديث.

 القاتل والمُسبب شركاء في الجريمة، لا يمكن تجاهل أن هناك مسؤولية مزدوجة لما يحدث،  القاتل الصهيوني هو المجرم الأول بلا شك، فهو الذي ينفذ القتل والدمار،  ولكن من أعطاه الذريعة؟ من وضع أهل غزة بين مطرقة الاحتلال وسندان الحصار والمغامرات غير المحسوبة؟ هنا يأتي دور القيادة السياسية والعسكرية لحماس، التي استخدمت غزة كقاعدة لتنفيذ مشاريعها الخاصة، سواء لتحقيق مكاسب داخلية أو تنفيذ أجندات إقليمية لصالح قوى خارجية، دون أن تضع في الاعتبار أن شعب غزة هو الذي يدفع الثمن الأكبر.

إسرائيل لم تكن بحاجة إلى مبررات لقتل الفلسطينيين، لكنها وجدت في سياسات حماس ومغامراتها العسكرية ذريعة مثالية لممارسة جرائمها دون حسيب أو رقيب، وبينما يعاني أهل غزة الويلات، تستمر القيادة الحمساوية في مواقفها التي لا تقدم أي حلول حقيقية، بل تكتفي بإصدار البيانات وتقديم التضحيات من دماء الأبرياء.

إلى أين تتجه الأمور والمأساة في غزة، لن تنتهي ما دامت إسرائيل ماضية في سياساتها القائمة على التطهير العرقي، وما دامت المقاومة الفلسطينية تفتقر إلى استراتيجية وطنية حقيقية تخرجها من دائرة الصراعات الفصائلية والحسابات الضيقة،  الطريق إلى إنهاء هذه الكارثة يبدأ من:

1 - وقف العدوان الإسرائيلي فورًا، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه عبر المحاكم الدولية.
2 - وقف إعطاء الذرائع للمحتل، وضرورة مراجعة المقاومة لأساليبها بحيث لا تكون التكلفة على المدنيين أكبر من الفائدة السياسية أو العسكرية.
3 - إعادة بناء مشروع وطني فلسطيني حقيقي، يُوحّد الصف الفلسطيني بعيدًا عن المصالح الفصائلية والتبعية الخارجية.
4 - كسر الحصار عن غزة، وضمان حياة كريمة لسكانها، لأن استمرار الحصار يعني استمرار الاحتلال في ابتزاز أهلها والتلاعب بمصيرهم.

لذا نقول  كفى تغطية على الجريمة، الحديث عن "حرب في غزة" هو تواطؤ مع السردية الصهيونية، وهو إنكار للواقع الذي يتمثل في مجزرة ممنهجة ضد المدنيين. هناك قاتل، وهناك مُسبب، وهناك شعب يدفع الثمن وحده،  آن الأوان أن تتوقف هذه اللعبة القذرة، وأن يدرك الجميع أن دماء أهل غزة ليست ورقة مساومة في حسابات سياسية اقليمية او دولية،  أو فصائلية.
ما يحدث في غزة ليس حربًا، بل جريمة مستمرة، والتاريخ لن يغفر للمتواطئين.

المصدر : جنوبيات