بأقلامهم >بأقلامهم
نحنُ الحكايةُ إنْ نُسِيَتْ...!
نحنُ الحكايةُ إنْ نُسِيَتْ...! ‎الأربعاء 9 04 2025 22:01 د. عبد الرحيم جاموس
نحنُ الحكايةُ إنْ نُسِيَتْ...!

جنوبيات

في ذكرى الذينَ ساروا إلى موتِهمْ، كما تُساقُ الشموسُ إلى الشروق، وبقُوا فينا ناراً لا تنطفئْ...!

نحنُ لا نُحصى على أصابعِ الوقتِ ..
ولا نُحفَظُ في دفاترِ الغيابْ ..
نحنُ سُلالةُ الترابِ إذا اشتعلْ ..
وجذورُ المعنى إذا ماتَ السؤالْ ...
***
نحنُ البدءُ ..
حينَ لم يكُنْ على وجهِ الأرضِ غيرُ الظلامْ ..
حينَ تنفَّسَتِ البنادقُ جوعَها ..
من صدرِ الفكرةِ الأولى ..
وكانتِ الحجارةُ كتابَ المدى ..
والصرخةُ ماءً لنهرِ الكرامةِ الظامئِ للحريةِ...
***
نحنُ من وقفوا بلا دروعٍ ..
سوى إيمانِهمْ ..
وبلا زادٍ ..
سوى موتٍ يتربَّصُ بهمْ ..
عندَ كلِّ عتبةٍ من عتباتِ الرجاءْ...
***
كأنَّهم شجرٌ لا يميلُ للريحِ ...
كأنَّهم صخرٌ...
 يبتلعُ العاصفةْ ...
وفي صدورِهم سواعدُ الأملِ ...
وفي عيونِهم أرشيفُ البلادِ ...
إذا تاهتْ عنها الجغرافيا...
***
فيهم مَن لوّحَ للغيمِ ...
بيدٍ مبلّلةٍ بالمِلحِ ..
ومن صلّى على أرضٍ ..
 مشقوقةِ الروحِ ..
ومن تخلّى عن اسمِه ..
ليُدعى باسمِ الحُلمِ ..
كلّما ناداهُ النداءْ ...!
***
فيهم مَن صعدَ بلا جناحينْ ..
ومن ماتَ واقفاً ...
كأنَّه الجبلُ يرفضُ الانحناءْ ...
وقالَ للريحِ:
لا تَركعي ...!
فانحنتْ الشهادةُ لهُ…
احتراماً واعترافاً...!
***
فيهم مَن غطّى البحرَ  ..
بشالِه المبلَّلِ بالوعدْ ...
ومن علّقَ خارطةَ البلادِ على عنقِه ..
كقلادةِ نجاةٍ، لا تصدأُ…
ولا تسقطْ ...!
***
هم لا يُعرَفونَ بالصورْ ..
ولا بالتواريخِ المنسيّة،..
إنهم في الندى،..
في الحقولِ..
في زغاريدِ الحاراتْ ..
في صيحاتِ الصغارِ ..
وفي وجعِ الأمهاتِ آخرَ الليلْ ..
وفي الخبزِ الساخنِ…
حينَ لا أحدَ يعود ..
***
نحنُ امتدادُهمْ ..
نبني من غيابِهمْ وجوداً ..
ومن نزفِهمْ دولةً تتنفّسُ الحقيقةْ ..
نحملُ الجمرَ في الأكفِّ ..
ولا نسقطْ ..
إلّا إذا سقطَ القمرُ من عينيه ..
***
نحنُ من عبروا على شفرةِ الحدودْ..
وساروا حفاةً على زمنٍ من شوكْ ..
نهدهدُ العاصفةَ بأهدابِ الرؤيا ..
ونصنعُ من الدمعِ سفينةْ ..
ومن المنافي وطناً ..
ومن الموتِ حياةً تتفتّحْ ..
***
لا تسألوا عن خريطتِنا ..
فهي مرسومةٌ في دقّاتِ القلبْ ..
ولا عن أعلامِنا ..
فهي خيوطُ الدمِ  ..
حينَ يُنسَجُ على زندِ القهرِ نشيدْ ..

نحنُ نعرفُ أنّ الطريقَ طويلٌ ..
وأنّ الشمسَ قد يحجبُها الغيمُ عقوداً…
لكنَّها ستأتي ..
تماماً كما وعدَ الذينَ غابوا ..
ولم يغيبوا ...
***
سنصلُ ..
ذاتَ فجرٍ يُشبههمْ ..
فجرٍ تُولَدُ فيه الدولةُ من رحمِ الجمرْ ..
تغسلُ وجهَها بترابِ القدسْ..
وتكتُبُ نشيدَها ..
بأسماءٍ لا تُقالْ…
لكنَّها تُسكَنُ في الوجدانِ..
كما تسكنُ النارُ في الحجرْ..

المصدر : جنوبيات