بأقلامهم >بأقلامهم
"نبض الحياة" تعليق على التعليق
"نبض الحياة" تعليق على التعليق ‎الثلاثاء 25 03 2025 07:32 عمر حلمي الغول
"نبض الحياة" تعليق على التعليق

جنوبيات

كتب لي أحد الأصدقاء من الناصرة تعليقا على ما تضمنه مقالي أمس بعنوان "سيناريوهات المستقبل المنظور"، جاء فيه، "لو كانت إسرائيل دولة طبيعية، و"شعبها، شعب طبيعي"، ومتجانس، لكانت انتهت منذ زمن، ولكنها مشروع غربي "قاعدة متقدمة" لكل الدول الغربية لتفتيت العالم العربي، ومنع نهوضه."

وأضاف "ومازال المشروع ناجح، لذا من الصعب أن تصل الصراعات الداخلية لمجتمع افراده مرتزقة لفض الشراكة. الصراع يدور حول أسلوب الحياة وطابعها لهذا المجتمع، البعض يريده مجتمعا ليبراليا "اشكنازي" محكوم بقوانين وضعية، والآخر يريده ديني متزمت محكوم بقوانين تلمودية "سفردية".
وتعليقي على التعليق، ان تشخيصه، وما ذكره للصورة العامة للمجتمع الإسرائيلي صحيح. ولكن لأنه كذلك، أي لأنه مجموعة من مرتزقة يهود الخزر" الاشكناز"، ومعهم المرتزقة من اليهود الشرقيين، الذين جاء بهم سادتهم كأداة للأداة العليا لتنفيذ المهام السوداء في المجتمع، ولخدمة طبقة الاليت من الاشكناز، فهم جميعا يفتقدوا الانتماء للدولة، والرابط الوحيد الذي يجمعهم، هو الامتيازات التي يحصدونها من دور الدولة/ القاعدة الوظيفية للدول الرأسمالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. الا ان الامتيازات إذا تعرضت أولا للاهتزاز والتراجع نتاج الازمات المتفاقمة؛ ثانيا مضاعفة الخطر على الحياة نتاج التناقضات الداخلية والخارجية؛ ثالثا فقدان الامل بمستقبل مقبول، وطالما لديه جنسيته الاصلية، أو جنسية أخرى في احدى الدول الغربية، فإن الخيار الأقرب للمنطق هو مغادرة إسرائيل. لا سيما وان الامتيازات متقاربة بين دولهم الأصلانية والدولة اللقيطة.

كما ان أحد العوامل، الذي ساهم في هجرة أعداد كبيرة من يهود الخزر الى إسرائيل قبل واثناء وبعد تأسيسها لعقود، يعود للعامل الأيديولوجي الفكري الصهيوني، والتضليل الديماغوجي الذي ساقته الإمبراطورية الإعلامية الصهيونية والغربية عموما، ومازالت تبثه على مدار الساعة، بالتلازم مع الامتيازات التي يمنحونهم اياها. لكن اختلاف الأجيال، وانكشاف واقع وطبيعة مهام الدولة الإسرائيلية، كأداة وظيفية، وتراجع اهتمام الأجيال الحديثة بالبعد الأيديولوجي أضعف أكثر فأكثر درجة الانتماء للدولة، ومما فاقم من حدة التناقض في صفوف المرتزقة من الشباب الصهاينة وجود الشعب الاصلاني صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري، الشعب الفلسطيني، واستماتته في الدفاع عن حقوقه، والذي ترافق مع دعم قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي في دعم واسناد حقوق وأهدافه الوطنية، وتراجع وانكفاء مكانة الرواية الصهيونية المزورة والفاسدة، والتي حولت قطاع لا بأس به من اتباع الديانة اليهودية الى عبيد وخدم مأجورين عن الامبريالية العالمية، وليس حرصا على ديانتهم، ولا تعنيهم أكاذيب الحركة الصهيونية.

وبالنتيجة من يملك جنسية أخرى، اول خيار يرد لذهنه هو حمل حقائبه ومغادرة الدولة المتآكلة واللقيطة؛ ومن لا يرغب بالرحيل، او لا يملك جنسية أخرى، أو لا يستطيع لأسباب مختلفة، هذه المجموعة من المجتمع الإسرائيلي، لا تتنازل عن مكتسباتها وامتيازاتها، بغض النظر عما ستؤول اليه الأمور في الداخل الإسرائيلي نتاج التناقضات المعقدة والمتداخلة بين السياسي والديني والعلماني الليبرالي والاثني والهوياتي والاجتماعي والقانوني القضائي وبين مكونات البناء الفوقي، وبين البنائين الفوقي والتحتي المتصاعدة. وجميعها تشكل عوامل ضغط كبيرة على مرتزقة المجتمع، فضلا عن الصراع مع أصحاب الأرض أبناء الشعب الفلسطيني، ومع أصحاب الأثنيات من الروس والاثيوبيين والأتراك واتباع الديانات غير اليهودية. وبالتالي حتى من يكابر، ويحاول البقاء لفترة أطول، سيرضخ لاحقا لخيار الهجرة العكسية، حيث لا تنفع كل أموال الدعم، ولا ترسانة الأسلحة الأميركية والغربية في تثبيت أي مرتزق في إسرائيل.

لكن السؤال المنطقي المرتبط بذلك، والذي طرحه صديقي، هل الغرب الأميركي والاوروبي سيتخلى عن قاعدته الامامية، إسرائيل النازية؟ مؤكد لن يتخلى عنها، وسيعمل الغرب كل الوسائل المتاحة لتثبيت من يمكن تثبيته، وسيعمل على تعويض النقص في الموارد البشرية من خلال إحلال مرتزقة اخرين، وسيلبسونهم عباءة الدينية اليهودية والتبعية للحركة الصهيونية، او حتى يمكن نقل قوات عسكرية وأمنية من الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل، كما حدث بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023، ولكن الا يمكن للمرتزقة الجدد، ان يغادروا بعد زمن قصير، نتاج أزمات المجتمع الصهيوني المتآكل، وسيطرة الحريديم على مقاليد الدولة الإسرائيلية، الذين يشكلون عبئا على الدولة، أولا بتخلفهم وعدميتهم؛ ثانيا رفضهم التجنيد في الجيش؛ ثالثا استنزاف موازنات الدولة على مدارسهم ومعاهدهم الدينية واسرهم المتعددة؛ رابعا لرفضهم التعلم، وهو ما سيدفع إسرائيل الى قاع المجتمعات والدول في العالم؛ خامسا تعمق عزلة إسرائيل كدولة سيخلق شروطا طاردة للحياة لأي مرتزق يفكر بالعيش في إسرائيل.

وأي انسان عاش في إسرائيل، يعلم انه الان، يعيش في إسرائيل جديدة ومتخلفة، وبائدة، وليست إسرائيل الاشكنازية الليبرالية التي كانت ما بين ستينيات القرن الماضي وحتى العقد الأول من الالفية الثالثة، إسرائيل الحالية ينخرها السوس والفساد والحروب والتناقضات والفاشية والنازية، وواقعها الراهن والقادم يحمل معول الهدم لركائز واعمدة الدولة، ومآلها الانهيار حتى لو جاؤوا بقوات أميركية وأوروبية لبعض الوقت.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com

المصدر : جنوبيات