بأقلامهم >بأقلامهم
ملاحظات حول اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى...!
جنوبيات
مع كل جولة من التصعيد بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاعغزةخاصة، تبرز أهمية التوصل إلى اتفاقيات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى كوسيلة لتهدئة الأوضاع ورفع المعاناة عن المدنيين، ومع ذلك، فإن هذه الاتفاقيات، التي غالبًا ما تتم برعاية إقليمية مصرية قطرية أودولية امريكية، لا تخلو من ملاحظات وانتقادات جوهرية تجعلها محط جدل في الساحة السياسية الفلسطينية والدولية.
أول ما يلفت الانتباه فيها، هو غياب الضمانات الدولية او القانونية الملزمة، إذ عادة ما تكون هذه الاتفاقيات مجرد تفاهمات برعاية أطراف وسيطة دون إطار قانوني واضح يُجبر إسرائيل على الالتزام بها، وتجارب الماضي قد أثبتت أن إسرائيل سرعان ما تخرق هذه الاتفاقيات، سواء من خلال إعادة احتجاز واعتقال الأسرى المحررين، أو استمرار اعتداءاتها المختلفة، دون أي تبعات عليها تُذكر، هذه الثغرة تجعل من الاتفاقيات أشبه بحلول وقتية اي مؤقته، تخدم طرفًا أكثر من الطرف الآخر.
إلى جانب ذلك، يبدو أن هذه الاتفاقيات تفتقر إلى رؤية استراتيجية شاملة، فهي تُركز على القضايا الآنية وجزئية، كوقف القصف وتبادل الأسرى، لكنها لا تتطرق إلى جذور الصراع الأساسية مثل إنهاء الاحتلال أو رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، ونتيجة لذلك، تبدو هذه التفاهمات وكأنها مجرد هدنة مؤقتة تُمهد لجولة جديدة من التصعيد، بدلًا من أن تكون خطوة نحو انهاء الصراع والتوصل الى حل دائم وشامل.
لا يمكن إغفال حقيقة أن إسرائيل غالبًا ما تستغل هذه الاتفاقيات لتحقيق مكاسب سياسية، سواء لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي أو لتحقيق مكاسب داخلية، ففي كثير من الأحيان، يتم توظيف هذه الاتفاقيات كأداة لتخفيف الضغوط الدولية عليها أو لشراء الوقت ، لتعزيز مشاريع الاستيطان والتهويد، مما يثير تساؤلات حول نواياها الحقيقية من مثل هكذا هدن واتفاقيات، او اتفاقات تهدئة مؤقته.
من ناحية أخرى، هناك شعور دائم لدى شعبنا الفلسطيني، بعدم التوازن في المكاسب والالتزامات، فبينما تُطالَب الفصائل الفلسطينية بوقف عملياتها والالتزام بالتهدئة، لا تقدم إسرائيل في المقابل اي تنازلات تتناسب مع حجم تضحيات الفلسطينيين، الحصار يبقى قائمًا، والاعتقالات تبقى مستمرة، انتهاك حرمة المقدسات تبقى مستمرة، وانتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني بشكل عام، مما يؤدي الى ان الأوضاع الإنسانية تزداد تفاقما، مما يجعل هذه الاتفاقيات تبدو وكأنها تُكرّس الواقع القائم الإحتلالي المؤلم والمأساوي، بدلًا من العمل على انهائه وتغييره.
كما تُظهر هذه الاتفاقيات ضعف الموقف الفلسطيني بسبب حالة الانقسام الداخلي والتفرد، هذا الانقسام يُضعف قدرة الفلسطينيين على التفاوض بشكل موحد ، ويجعل الاتفاقيات عرضة للانتقاد من أطراف مختلفة، سواء داخل الفصائل نفسها أو من الشارع الفلسطيني الذي يشعر في كثير من الأحيان بأنه مغيّب عن مثل هذه الإتفاقات و القرارات المصيرية.
ورغم أن وقف إطلاق النار يُخفف من معاناة الفلسطينيين ودائما كان هو هدف بحد ذاته في كل جولة من جولات الصراع (الفلسطيني-الإسرائيلي)، إلا أن استمرار السياسات الإسرائيلية القمعية، مثل هدم المنازل والاستيطان والاعتقالات اليومية، يجعل الأثر الإيجابي لهذه الاتفاقيات محدودًا جدا.
بدون معالجة جذرية للأسباب الحقيقية للصراع، تبقى هذه التفاهمات حلولًا مؤقتة تُطيل أمد الإحتلال وامد الأزمة بدلًا من إنهائها.
في النهاية، قد تكون اتفاقيات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ضرورية لتخفيف حدة التصعيد واحتواء الأوضاع المأساوية والكارثية التي حلت بشعبنا قي قطاع غزة، لكنها تبقى في جوهرها حلولًا أمنية مؤقتة ومجزأة وغير شاملة، وقفإطلاقالنار في قطاعغزة مثلا واستمرار التصعيد في الضفةالغربية ، اليس هذا يكرس المأساة الفلسطينية ويجعلها مندحرجة ؟! .
يتطلب الخروج من دائرة الصراع المتكرر رؤية شاملة تضع حدًا للاحتلال، وتحقق العدالة للشعب الفلسطيني، وتضمن التزامًا دوليًا ينقل هذه الاتفاقيات من كونها مجرد تفاهمات تكتيكية جزئية إلى خطوات حقيقية نحو سلام عادل ودائم، ينهي الإحتلال والإستيطان الإسرائيلي، ويؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، وفق قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وحق المساواة في العيش للشعب الفلسطيني بحرية وكرامة وإحترام.
د.عبدالرحيم جاموس http://Pcommety@hotmail.com